مون فايس ..:: مشرفه دليل المطبخ والتغذيه ::..



الليلة الثالثة والعشرين بعد المئة


قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن السبب في خذل المسلمين أن اللعينة ذات الدواهي عدوة الدين لما رأت بهرام ورستم قد سارا بعسكرهما نحو شركاء وأخيه ضوء المكان سارت هي نحو عسكر المسلمين وأرسلت الأمير تركاش كما تقدم ذكره وقصدها بذلك أن تفرق بين عسكر المسلمين لأجل أن يضعفوا ، ثم تركتهم وقصدت القسطنطينية ونادت بطارقة الروم بأعلى صوتها وقالت : أدلوا حبلاً لأربط فيه هذا الكتاب وأوصلوه إلى ملككم أفريدون ليقرأه هو وولدي ملك الروم ويعملان بما فيه من أوامره ونواهيه . فأدلوا لها حبلاً فربطت فيه الكتاب وكان مضمونه : من عند الداهية والطامة الكبرى ذات الدواهي إلى الملك أفريدون ، أما بعد فإني دبرت لكم حيلة على هلاك المسلمين فكونوا مطمئنين وقد أسرتهم وأسرت سلطانهم ووزيرهم ثم توجهت إلى عسكرهم وأخبرتهم بذلك فانكسرت شوكتهم وضعفت قوتهم وقد خدعت العسكر المحاصرين للقسطنطينية حتى أرسلت منهم اثني عشر ألف فارس مع الأمير تركاش خلاف المأسورين وما بقي منهم إلا القليل ، فالمراد أنكم تخرجون إليهم بجميع عسكركم في بقية هذا النهار وتهجمون عليهم في خيامهم ولكنكم لا تخرجون إلا سواء واقتلوهم عن آخرهم ، فإن المسيح قد نظر إليكم والعذراء تعطف عليكم ، وأرجو من المسيح أن لا ينسى فعلي الذي قد فعلته . فلما وصل كتابها إلى الملك أفريدون فرح فرحاً شديداً وأرسل في الحال إلى ملك الروم ابن ذات الدواهي وأحضره وقرأ الكتاب عليه ففرح وقال : انظر إلى مكر أمي فإنه يغني عن السيوف وطلعتها تنوب عن هول اليوم المخوف . فقال الملك أفريدون : لا أعدمك المسيح طلعة أمك ولا أخلاك من مكرك ولؤمك . ثم أمر البطارقة أن ينادوا بالرحيل إلى خارج المدينة وشاع الخبر في القسطنطينية وخرجت عساكر النصرانية والعصبة الصليبية وجردوا السيوف الحداد وأعلنوا بكلمة الكفر والإلحاد وكفروا برب العباد ، فلما نظر الحاجب إلى ذلك قال : إن سلطاننا غائب فربما هجموا علينا وأكثر عساكرنا قد توجه إلى الملك ضوء المكان . واغتاظ الحاجب ونادى : يا عسكر المسلمين وحماة الدين المتين إن هربتم هلكتم وإن صبرتم نصرتم فاعلموا أن الشجاعة صبر ساعة وما ضاق أمر إلا أوجد الله اتساعه ، بارك الله فيكم ونظر إليكم بعين الرحمة . وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .




الليلة الرابعة والعشرين بعد المئة


قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن الحاجب قال لجيش المسلمين : بارك الله عليكم ونظر إليكم بعين الرحمة . فعند ذلك كبر المسلمون وصاح الموحدون ودارت رحى الحرب بالطعن والضرب وعملت الصوارم والرماح وملأ الدم الأودية والبطاح وقسست القسوس والرهبان وشدوا الزنانير ورفعوا الصلبان وأعلن المسلمون بالتكبير للملك الديان وصاحوا بتلاوة القرآن واصطدم حزب الرحمن بحزب الشيطان وطارت الرؤوس عن الأبدان وطافت الملائكة الأخيار على أمة النبي المختار ولم يزل السيف يعمل إلى أن ولى النهار وأقبل الليل بالاعتكار وقد أحاط الكفار بالمسلمين وحسبوا أن ينجوا من العذاب المبين وطمع المشركون في أهل الإيمان إلى أن طلع الفجر وبان فركب الحاجب هو وعسكره ورجا الله أن ينصره واختلطت الأمم بالأمم وقامت الحرب على ساق وقدم وطارت القمم وثبت الشجاع وتقدم وولى الجبان وانهزم وقضى قاضي الموت وحكم حتى تطاوحت الأبطال عن السروج وامتلأت بالأمواج المروج وتأخرت المسلمون عن أماكنها وملكت بعض خيامها ومساكنها وعزم المسلمون على الانكسار والهزيمة والفرار . فبينما هم كذلك وإذا بقدوم شركان بعساكر المسلمين ورايات الموحدين ، فلما أقبل عليهم شركان حمل على الكفار وتبعه ضوء المكان وحمل بعدهما الوزير دندان وكذلك أمير ديلم بهرام ورستم وأخوه تركاش ، فإنهم لما رأوا ذلك طارت عقولهم وغاب معقولهم وثار الغبار حتى ملأ الأقطار واجتمعت واجتمع المسلمون الأخيار بأصحابهم الأبرار واجتمع شركان بالحاجب فشكره على صبره وهنأه بتأييده ونصره وفرحت المسلمون وقويت قلوبهم وحملوا على أعدائهم وأخلصوا لله في جهادهم ، فلما نظر الكفار إلى الرايات المحمدية وعليها كلمة الإخلاص الإسلامية وصاحوا بالويل والثبور واستغاثوا ببطارقة الدبور ونادوا يوحنا ومريم والصليب وانقبضت أيديهم عن القتال وقد أقبل الملك أفريدون على ملك الروم وصار أحدهما إلى الميمنة والآخر في الميسرة وعندهم فارس مشهور يسمى لاويا فوقف وسطاً واصطفوا للنزال وإن كانوا في فزع وزلزال ثم صفت المسلمون عساكرهم . فعند ذلك أقبل شركان على أخيه ضوء المكان وقال له : يا ملك الزمان لا شك أنهم يريدون البراز وهذا غاية مرادنا ولكن أحب أن أقدم من العسكر من له عزم ثابت فإن التدبير نصف المعيشة . فقال السلطان : ماذا تريد يا صاحب الرأي السديد ? فقال شركان : أريد أن أكون في قلب عسكر الكفار وأن يكون الوزير دندان في الميسرة وأنت في الميمنة والأمير بهرام في الجناح الأيمن والأمير رستم في الجناح الأيسر وأنت أيها الملك العظيم تكون تحت الأعلام والرايات لأنك عمادنا وعليك بعد الله اعتمادنا ونحن كلنا نفديك من كل أمر يؤذيك . فشكره ضوء المكان على ذلك وارتفع الصياح وجردت الصفاح . فبينما هم كذلك وإذا بفارس قد ظهر من عسكر الروم فلما قرب رأوه راكباً على بغلة قطوف تفر بصاحبها من وقع السيوف وبردعتها من أبيض الحرير وعليها سجادة من شغل كشمير وعلى ظهرها شيخ مليح الشيبة ظاهر الهيبة عليه مدرعة من الصوف الأبيض ولم يزل يسرع بها وينهض حتى قرب من عسكر المسلمين وقال : إني رسول إليكم أجمعين وما على الرسول إلا البلاغ فأعطوني الأمان والإقالة حتى أبلغكم الرسالة . فقال له شركان : لك الأمان فلا تخش حرب سيف ولا طعن سنان . فعند ذلك ترجل الشيخ وقلع الصليب من عنقه بين يدي السلطان وخضع له خضوع راجي الإحسان فقال له المسلمون : ما معك من الأخبار ? فقال : إني رسول من عند الملك أفريدون فإني نصحته ليمتنع عن تلف هذه الصور والهياكل الرحمانية وبينت له أن الصواب حقن الدماء والاقتصار على فارسين في الهيجاء فأجابني إلى ذلك وهو يقول لكم : إني فديت عسكري بروحي فليفعل ملك المسلمين مثلي ويفدي عسكره بروحه فإن قتلني فلا يبقى لعسكر الكفار ثبات وإن قتله فلا يبقى لعسكر المسلمين ثبات .


وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .

توقيع
مون فايس ..:: مشرفه دليل المطبخ والتغذيه ::..


الليلة الخامسة والعشرين بعد المئة


قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن رسول الملك أفريدون لما قال للمسلمين : إن قتل ملك المسلمين فلا يبقى لعسكره ثبات . فلما سمع شركان هذا الكلام قال : يا راهب إنا أجبناه إلى ذلك فإن هذا هو الإنصاف فلا يكون منه خلاف وها أنا أبرز إليه وأحمل عليه فإني فارس المسلمين غير المفر فارجع إليه أيها الراهب وقل له أن البراز في غد لأننا أتينا من سفرنا على تعب في هذا اليوم وبعد الراحة لا عتب ولا لوم . فرجع الراهب وهو مسرور حتى وصل إلى الملك أفريدون وملك الروم وأخبرهما ففرح الملك أفريدون وملك الروم غاية الفرح وزال الهم والترح ، وقال في نفسه : لا شك أن شركان هذا هو أضربهم بالسيف وأطعنهم بالسنان فإذا قتلته انكسرت همتهم وضعفت قوتهم . وقد كانت ذات الدواهي كاتبت الملك أفريدون بذلك ، وقالت له : إن شركان هو فارس الشجعان وشجاع الفرسان . وحذرت أفريدون من شركان وكان أفريدون فارساً عظيماً لأنه كان يقاتل بأنواع القتال ويرمي بالحجارة والنبال ويضرب بالعمود الحديد ، ولا يخشى من البأس الشديد . فلما سمع قول الراهب من أن شركان أجاب إلى البراز كاد أن يطير من شدة الفرح لأنه واثق بنفسه ويعلم أنه لا طاقة لأحد به ، ثم بات الكفار تلك الليلة في فرح وسرور وشرب خمور فلما كان الصباح أقبلت الفوارس بسمر الرماح وبيض الصفاح وإذا هم بفارس قد برز في الميدان وهو راكب على جواد من الخيل الجياد معد للحرب والجلاد وله قوائم شداد وعلى ذلك الفارس درع من الحديد معد للبأس الشديد وفي صدره مرآة من الجوهر وفي يده صارم أبتر وقنطارته خلنجية من غريب عمل الإفرنج أن الفارس كشف عن وجهه وقال : من عرفني فقد اكتفاني ومن لم يعرفني فسوف يراني ، أنا أفريدون المغمور ببركة شواهي ذات الدواهي . فما تم كلامه حتى خرج في وجهه فارس المسلمين شركان وهو راكب على جواد أشقر يساوي ألفاً من الذهب الأحمر وعليه عدة مزركشة بالدرر والجوهر وهو متقلد بسيف هندي مجوهر يقد الرقاب ويهون الأمور الصعاب . ثم ساق جواده بين الصفين والفرسان تنظره بالعين ثم نادى أفريدون ، وقال له : ويلك يا ملعون أتظنني كمن لاقيت من الفرسان ولا يثبت معك في حومة الميدان . ثم حمل كل منهما على صاحبه فصار الاثنان كأنهما جبلان يصطدمان أو بحران يلتطمان ثم تقاربا وتباعدا والتصقا وافترقا ولم يزالا في كر وفر وهزل وجد وضرب وطعن والجيشان ينظران إليهما وبعضهم يقول : إن شركان غالب . والبعض يقول : إن أفريدون غالب . ولم يزل الفارسان على هذا الحال حتى بطل القيل والقال وعلا الغبار وولى النهار ومالت الشمس إلى الاصفرار وصاح الملك افريدون على شركان وقال : وحق المسيح والاعتقاد الصحيح ما أنت إلا فارس كرار وبطل مغوار غير أنك غدار وطبعك ما هو إلا طبع الأخيار لأني أرى فعالك غير حميدة وقتالك قتال الصناديد ، وقومك ينسبونك إلى العبيد ، وها هم أخرجوا لك غير جوادك وتعود إلى القتال وإني حق ديني قد أعياني قتالك وأتعبني ضربك وضمانك فإن كنت تريد قتالي في هذه الليلة فلا تغير شيئاً من عدتك ولا جودتك ، حتى يظهر الفرسان كرمك وقتالك . فلما سمع شركان هذا الكلام اغتاظ من قول أصحابه في حقه ، حيث ينسبونه إلى العبيد ، فالتفت إليهم شركان وأراد أن يسير إليهم ويأمرهم أن لا يغيروا له جواداً ولا عدة وإذا بأفريدون هز حربته وأرسلها إلى شركان فالتفت وراءه فلم يجد أحداً فعلم أنها حيلة من الملعون فرد وجهه بسرعة وإذا بالحربة قد أدركته فمال عنها حتى ساوى برأسه قربوس سرجه فجرت الحربة على صدره وكان شركان عالي الصدر فكشطت الحربة جلدة صدره ، فصاح صيحة واحدة وغاب عن الدنيا ففرح الملعون أفريدون بذلك وعرف أنه قد قتل فصاح على الكفار ونادى بالفرح فهاجت أهل الطغيان وبكت أهل الإيمان فلما رأى ضوء المكان أخاه مائلاً على الجواد حتى كاد أن يقع أرسل نحوه الفرسان فتسابقت إليه الأبطال وأتوا به إليه وحملت الكفار على المسلمين والتقى الجيشان واختلط الصفان وعمل اليماني وكان أسبق الناس إلى شركان الوزير دندان .


وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح

توقيع
مون فايس ..:: مشرفه دليل المطبخ والتغذيه ::..



الليلة السادسة والعشرين بعد المئة


قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن الملك ضوء المكان لما رأى اللعين قد ضرب أخاه شركان بالحربة ظن أنه مات فأرسل إليه الفرسان وكان أسبق الناس إليه الوزير دندان وأمير الترك بهرام وأمير الديلم فلحقوه وقد مال عن جواده فأسندوه ورجعوا به إلى أخيه ضوء المكان . ثم أوصوا الغلمان وعادوا إلى الحرب والطعان واشتد النزال وتقصفت النصال وبطل القيل والقال فلا يرى إلا دم سائل وعنق مائل ولم يزل السيف يعمل في الأعناق واشتد الشقاق إلى أن أقبل الليل وكلت الطائفتان عن القتال فنادوا بالانفصال ورجعت كل طائفة إلى خيامها وتوجه جميع الكفار إلى ملكهم أفريدون وقبلوا الأرض بين يديه وهنأه القسوس والرهبان بظفره بشركان . ثم إن الملك أفريدون دخل القسطنطينية وجلس على كرسي مملكته وأقبل عليه ملك الروم وقال له : قوى المسيح ساعدك واستجاب من الأم الصالحة ذات الدواهي ما تدعو به لك واعلم أن المسلمين ما بقي لهم إقامة بعد شركان . فقال أفريدون : في غد يكون الانفصال إذا خرجت إلى النزال وطلبت ضوء المكان وقتلته فإن عسكرهم يولون الأدبار ويركنون إلى الفرار . هذا ما كان من أمر الكفار . وأما ما كان من أمر عساكر الإسلام فإن ضوء المكان لما رجع إلى الخيام لم يكن له شغل إلا بأخيه فلما دخل عليه وجده في أسوأ الأحوال وأشد الأهوال فدعا بالوزير دندان ورستم وبهرام للمشورة فلما دخلوا عليه اقتضى رأيهم إحضار الحكماء لعلاج شركان ثم بكوا وقالوا : لم يسمح بمثله الزمان . وسهروا عنده تلك الليلة وفي آخر الليل أقبل عليهم الزاهد وهو يبكي فلما رآه ضوء المكان قام إليه فملس بيده على أخيه وتلى شيئاً من القرآن ، وعوذه بآيات الرحمن وما زال سهراناً عنده إلى الصباح فعند ذلك استفاق شركان وفتح عينيه وأدار لسانه في فمه وتكلم ففرح السلطان ضوء المكان وقال : قد حصلت له بركة الزاهد . فقال شركان : الحمد لله على العافية فإنني بخير في هذه الساعة وقد عمل علي هذا الملعون حيلة ولولا أني زغت أسرع من البرق لكانت الحربة نفذت في صدري فالحمد لله الذي نجاني وكيف حال المسلمين ؟ فقال ضوء المكان : هم في بكاء من أجلك . فقال : إني بخير وعافية وأين الزاهد ؟ وهو عند رأسه قاعد ، فقال له : عند رأسك . فقام إليه وقبل يديه ، فقال الزاهد : يا ولدي عليك بجميل الصبر يعظم الله لك الأجر فإن الأجر على قدر المشقة . فقال له شركان : ادع لي . فدعا له . فلما أصبح الصباح وبان الفجر ولاح برزت المسلمون إلى ميدان الحرب وتهيأ الكفار للطعن والضرب ، وتقدمت عساكر المسلمين فطلبوا الحرب والكفاح وجردوا السلاح وأراد الملك ضوء المكان وأفريدون أن يحملا على بعضهما وإذا بضوء المكان : نحن فداك . فقال لهم : وحق البيت الحرام وزمزم والمقام لا اقعد عن الخروج إلى هؤلاء العلوج . فلما صار في الميدان لعب بالسيف والسنان حتى أذهل الفرسان وتعجب الفريقان وحمل في الميمنة فقتل منها بطريقين وفي الميسرة فقتل منها بطريقين ونادى في وسط الميدان : أين أفريدون حتى أذيقه عذاب الهوان . فأراد الملعون أن يولي وهو مغبون فأقسم عليه ضوء المكان أن لا يبرح من الميدان وقال له : يا ملك بالأمس كان قتال أخي واليوم قتالي وأنا بشجاعتك لا أبالي . ثم خرج وبيده صارم وتحته حصان كأنه عنتر في حومة الميدان وذلك الحصان أدهم مغاير كما قال فيه الشاعر : قد سابق الطرف بطرف سابـق ........ كأنـه يريد إدراك الـقـدر دهمته تبدي سـواداً حـالـكـا ........ كأنها ليل إذا اللـيل عـكـر صهيله يزعج مـن يسـمـعـه ........ كأنه الرعد إذا الرعد زجـر لو تسابق الريح جرى من قبلها ........ والبرق لا يسبقه إذا ظـهـر ثم حمل كل منهما على صاحبه ، واحترس من مضاربه وأظهر ما في بطنه من عجائبه وأخذا في الكر والفر حتى ضاقت الصدر وقل الصبر للمقدور وصاح ضوء المكان وهجم على ملك القسطنطينية أفريدون وضربه ضربة أطاح بها رأسه وقطع أنفاسه ، فلما نظرت الكفار إلى ذلك حملوا جميعاً عليه وتوجهوا بكليتهم إليه فقابلهم في حومة الميدان واستمر الضرب والطعان حتى سال الدم بالجريان وضج المسلمون بالتكبير والتهليل والصلاة على البشير النذير وقاتلوا قتالاً شديداً وأنزل الله النصر على المؤمنين والخزي على الكافرين ، وصاح الوزير دندان : خذوا بثأر الملك عمر النعمان وثار ولده شركان . وكشف برأسه وصاح : يا للأتراك . وكان بجانبه أكثر من عشرين ألف فارس فحملوا معه حملة واحدة فلم يجد الكفار لأنفسهم غير الفرار وتولي الأدبار وعمل فيهم الصارم البتار فقتل منهم نحو خمسين ألف فارس وأسروا ما يزيد على ذلك ، وقتل عند دخول الباب خلق كثير من شدة الزحام ، ثم أغلقوا الباب وطلعوا فوق الأسوار وخافوا خوف العذاب وعادت طوائف المسلمين مؤيدين منصورين وأتوا خيامهم ودخل ضوء المكان على أخيه فوجده في أسر الأحوال فسجد وشكر الكريم المتعال ثم أقبل عليه وهنأه بالسلامة . فقال شركان : إننا كلنا في بركة هذا الزاهد الأواب ما انتصرنا إلا بدعائه المستجاب ، فإنه لم يزل قاعداً يدعو للمسلمين بالنصر .


وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح

توقيع
مون فايس ..:: مشرفه دليل المطبخ والتغذيه ::..


الليلة السابعة والعشرين بعد المئة


قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن الملك ضوء المكان لما دخل علي أخيه شركان وجده جالساً والعابد عنده ففرح وأقبل عليه وهنأه بالسلامة ثم إن شركان قال : إننا كلنا في بركة هذا الزاهد وما انتصرتم إلا بدعائه لكم فإنه ما برح اليوم يدعو للمسلمين وكنت قد وجدت في نفسي قوة حين سمعت تكبيركم فعلمت أنكم منصورون على أعدائكم فاحك لي يا أخي ما وقع لك . فحكى له جميع ما وقع له مع الملك الملعون أفريدون وأخبره أنه قتله وراح إلى لعنة الله فأثنى عليه وشكر مسعاه فلما سمعت ذات الدواهي وهي في صفة الزاهد بقتل ولدها أفريدون انقلب لونها بالاصفرار وتغرغرت عيناها بالدموع الغزار ولكنها أخفت ذلك وأظهرت للمسلمين أنها فرحت وأنها تبكي من شدة الفرح ثم إنها قالت في نفسها : وحق المسيح ما بقي في حياتي فائدة إن لم أحرق قلبه على أخيه شركان ، كما أحرق قلبي على عماد الملة النصرانية والعبادة الصليبية الملك أفريدون . ولكنها كفت ما بها . ثم إن الوزير دندان والملك ضوء المكان والحاجب استمروا جالسين عند الملك شركان حتى عملوا له اللزق وأعطوه الدواء فتوجهت إليه العافية وفرحوا بذلك فرحاً شديداً وأعلموا به العساكر فتباشر المسلمون وقالوا في غد يركب معنا ويباشر الحصار ، ثم إن شركان قال لهم : إنكم قاتلتم اليوم وتعبتم من القتال فينبغي أن تتوجهوا إلى أماكنكم وتناموا ولا تسهروا . فأجابوه إلى ذلك وتوجه كل منهم إلى صرادقه وما بقي عند شركان سوى قليل من الغلمان والعجوز ذات الدواهي فتحدث معها قليلاً من الليل ، ثم اضطجع لينام وكذلك الغلمان ، فلما غلب عليهم النوم صاروا مثل الأموات . هذا ما كان من أمر شركان وغلمانه . وأما ما كان من أمر العجوز ذات الدواهي فإنها بعد نومهم صارت يقظانة وحدها في الخيمة نظرت إلى شركان فوجدته مستغرقاً في النوم ، فوثبت على قدميها كأنها دبة معطاء أو آفة نقطاء وأخرجت من وسطها خنجراً مسموماً لو وضع على صخرة لأذابها ثم جردته من غمده وأتت عند رأس شركان وجردته على رقبته فذبحته وأزالت رأسه عن جسده ثم وثبت على قدميها وأتت إلى الغلمان النيام وقطعت رؤوسهم لئلا ينتبهوا ثم خرجت من الخيمة وأتت إلى خيام السلطان ، فوجدت الحراس غير نائمين فمالت إلى خيمة الوزير دندان فوجدته يقرأ القرآن فوقعت عينه عليها فقال : مرحباً بالزاهد العابد . فلما سمعت ذلك من الوزير ارتجف قلبها وقالت له : إن سبب مجيئي إلى هنا في هذا الوقت أني سمعت صوت ولي من أولياء الله وأنا ذاهب إليه . ثم ولت . فقال الوزير دندان في نفسه : والله لأتبع هذا الزاهد في هذه الليلة . فقام ومشى خلفها ، فلما أحست الملعونة بمشيه عرفت أنه وراءها فخشيت أن تفتضح وقالت في نفسها : إن لم أخدعه بحيلة فإني أفتضح . فأقبلت إليه وقالت : أيها الوزير إني سائر خلف هذا الولي لأعرفه وبعد أن أعرفه أستأذنه في مجيئك إليه وأقبل عليك وأخبرك لأني أخاف أن تذهب معي بغير استئذان للولي فيحصل له نفرة مني إذا رآك معي . فلما سمع الوزير كلامها استحى أن يرد عليها جواباً فتركها ورجع إلى خيمته وأراد أن ينام فما طاب له منام وكادت الدنيا أن تنطبق عليه فقام وخرج من خيمته وقال في نفسه : أنا أمضي إلى شركان وأتحدث معه إلى الصباح فسار إلى أن دخل خيمة شركان فوجد الدم سائلاً منه كالقناة ونظر الغلمان مذبوحين فصاح صيحة أزعجت كل من كان نائماً ، فتسارعت الخلق إليه فرأوا الدم سائلاً فضجوا بالبكاء والنحيب . فعند ذلك استيقظ السلطان ضوء المكان وسأل عن الخبر فقيل له : إن شركان أخاك والغلمان مقتولون . فقام مسرعاً إلى أن دخل الخيمة ، فوجد الوزير دندان يصيح ووجد جثة أخيه بلا رأس فغاب عن الدنيا وصاحت كل العساكر وبكوا وداروا حول ضوء المكان ساعة حتى استفاق ثم نظر إلى شركان وبكى بكاء شديداً وفعل مثله الوزير ورستم وبهرام ، وأما الحاجب فإنه صاح وأكثر من النواح ، ثم طلب الارتحال لما به من الأوجال فقال الملك : أما علمتم بالذي فعل بأخي هذه الأفعال ومالي لا أرى الزاهد الذي عن متاع الدنيا متباعد ? فقال الوزير : ومن جلب هذه الأحزان إلا هذا الزاهد الشيطان فوالله إن قلبي نفر منه في الأول والآخر لأنني أعرف أن كل متنطح في الدين خبيث ماكر . ثم إن الناس ضبوا بالبكاء والنحيب ، وتضرعوا إلى القريب المجيب أن يوقع في أيديهم ذلك الزاهد الذي هو لآيات الله جاحد ، ثم جهزوا شركان ودفنوه في الجبل المذكور وحزنوا على فضله المشهور .


وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .

توقيع
مون فايس ..:: مشرفه دليل المطبخ والتغذيه ::..


الليلة الثامنة والعشرين بعد المئة


قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن الملعونة لما فرغت عن الداهية التي عملتها والمخازي التي لنفسها أبدتها ، أخذت دواة وقرطاساً وكتبت فيه : من عند شواهي ذات الدواهي إلى حضرة المسلمين أعلموا أني دخلت بلادكم وغششت بلؤمي كرامكم وقتلت سابقاً ملككم عمر النعمان في وسط قصره وقتلت أيضاً في واقعة الشعب والمغارة رجالاً كثيرة وآخر من قتلته بمكري ودهائي وغدري شركان وغلمانه ، ولو ساعدني الزمان وطاوعني الشيطان كنت قتلت السلطان والوزير دندان وأنا الذي أتيت إليكم في زي الزاهد ، وانطلت عليكم من الحيل والمكايد فإن شئتم سلامتكم بعد ذلك فارحلوا وإن شئتم هلاك أنفسكم فعن الإقامة لا تعدلوا فلو أقمتم سنين وأعواماً ، لا تبلغون منا مراماً . وبعد أن كتبت الكتاب أقامت في حزنها على الملك أفريدون ثلاثة أيام وفي اليوم الرابع دعت بطريقاً وأمرته أن يأخذ الورقة ويضعها في سهم ويرميها إلى المسلمين . ثم دخلت الكنيسة وصارت تندب وتبكي على فقد أفريدون وقالت : لمن تسلطن بعده لا بد أن أقتل ضوء المكان وجميع أمراء الإسلام . هذا ما كان من أمرها . وأما ما كان من أمر المسلمين فإنهم أقاموا ثلاثة أيام في هم واغتمام وفي اليوم الرابع نظروا إلى ناحية السور وإذا ببطريق معه سهم نشاب ، وفي عرفه كتاب فصبروا عليه حتى رماه إليهم فأمر السلطان الوزير دندان أن يقرأه ، فلما قرأه وسمع ما فيه وعرف معناه هملت بالدموع عيناه ، وصاح وتضجر من مكرها وقال الوزير : والله لقد كان قلبي نافراً منها . فقال السلطان : وهذه العاهرة كيف عملت علينا الحيلة مرتين والله لا أحول من هنا حتى أملأ فرجها بمسيح الرصاص وأسجنها سجن الطير في الأقفاص وبعد ذلك أصلبها من شعرها على باب القسطنطينية . ثم تذكر أخاه فبكى بكاء شديداً . ثم إن الكفار لما توجهت لهم ذات الدواهي وأخبرتهم بما حصل فرحوا بقتل شركان وسلامة ذات الدواهي . ثم إن المسلمين رجعوا على باب القسطنطينية . ووعدهم السلطان أنه إذا فتح المدينة يفرق أموالها عليهم بالسوية . هذا والسلطان لم تجف دموعه حزناً على أخيه واعترى جسمه الهزال حتى صار كالخلال فدخل عليه الوزير دندان وقال له : طب نفساً وقر عيناً فإن أخاك ما مات إلا بأجله وليس في هذا الحزن فائدة وما أحسن قول الشاعر : ما لا يكون فلا يكون بحـيلة ........ أبداً وما هو كائن سيكـون سيكون ما هو كائن في وقته ........ وأخو الجهالة دائماً مغبون فدع البكاء والنواح وقو قلبك لحمل السلاح . فقال : يا وزير إن قلبي مهموم من أجل موت أبي وأخي ومن أجل غيابنا عن بلادنا فإن خاطري مشغول برعيتي . فبكى الوزير هو والحاضرون وما زالوا مقيمين على حصار القسطنطينية مدة من الزمان فبينما هم كذلك وإذا بالأخبار وردت عليهم من بغداد صحبة أمير من أمرائه مضمونها ، إن زوجة الملك ضوء المكان رزقت ولداً وسمته نزهة الزمان أخت الملك كان ما كان ولكن هذا الغلام سيكون له شأن بسبب ما رأوه من العجائب والغرائب وقد أمرت العلماء والخطباء أن يدعوا لكم على المنابر ودبر كل صلاة ، وإننا طيبون بخير والأمطار كثيرة إن صاحبك الوقاد في غاية النعمة الجزيلة وعنده الخدم والغلمان ولكنه إلى الآن لم يعلم بما جرى لك والسلام . فقال له ضوء المكان : اشتد ظهري حيث رزقت ولداً اسمه كان ما كان .


وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح

توقيع

Powered by: vBulletin
 ©2000 - 2025, Enterprises Ltd.
المنتدى برعاية مميزون العرب للخدمات الرقمية
www.z777z.com
Adsense Management by Losha
( جميع مايكتب يعبر عن وجهة نظر كاتبه ولا يحمل وجهة نظر الموقع يعبر عن كاتبها فقط )
جميع الحقوق محفوظة زوجــي و زوجتــي عالم الحياة الزوجية
جميع الحقوق محفوظة زوجــي و زوجتــي عالم الحياة الزوجية