مون فايس ..:: مشرفه دليل المطبخ والتغذيه ::..




الليلة الثالثة والأربعين بعد المئة

قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن الشاب قال لتاج الملوك :
فقالت لي بنت عمي :
على رأسي وعيني ولكن يا ابن عمي قد قلت لك مراراً لو كنت أدخل وأخرج لكنت أجمع بينك وبينها في أقرب زمن وأغطيكما بذيلي ولا أفعل معك هذا إلا لقصد رضاك وإن شاء الله تعالى أبذل غاية الجهد في الجمع بينكما ولكن اسمع قولي وابلغ أمري واذهب إلى نفس ذلك المكان واقعد هناك فإذا كان وقت العشاء فاجلس في الموضع الذي كنت فيه ، واحذر أن تأكل شيئاً لأن الأكل يجلب النوم وإياك أن تنام فإنها لا تأتي لك حتى يمضي الليل ربعه كفاك الله شرها .
فلما سمعت كلامها فرحت وصرت أدعو الله أن يأتي الليل ، فلما أردت الانصراف قالت لي ابنة عمي :
إذا اجتمعت بها فاذكر لها البيت المتقدم وقت انصرافك .
فقلت لها :
على الرأس والعين .
فلما خرجت وذهبت إلى البستان وجدت المكان مهيأ على الحالة التي رأيتها أولاً وفيه ما يحتاج إليه من الطعام والشراب والنقل المشموم وغير ذلك فطلعت المقعد وشممت رائحة الطعام فاشتاقت نفسي إليه فمنعتها مراراً فلم أقدر على منعها فقمت وأتيت إلى السفرة وكشفت غطاءها فوجدت صحن دجاج وحوله أربع زبادي من الطعام فيها أربعة ألوان فأكلت من كل لون لقمة وأكلت ما تيسر من الحلوى وأكلت قطعة لحم وشربت من الزردة وأعجبتني فأكثر الشرب منها بالملعقة حتى شبعت وامتلأت بطني وبعد ذلك انطبقت أجفاني فأخذت وسادة ووضعتها تحت رأسي وقلت لعلي أتكئ عليها ولا أنام فأغمضت عيني ونمت وما إن انتبهت حتى طلعت الشمس فوجدت على بطني كعب عظم وفردة طاب بلح وبزرة خروب وليس في المكان شيء من فرش ولا غيره وكأنه لم يكن فيه شيء بالأمس فقمت ونفضت الجميع عني وخرجت وأنا مغتاظ إلى أن وصلت إلى البيت فوجدت ابنة عمي تصعد الزفرات وتنشد الأبيات :
جسدنا حل وقـلـب جـريح ........ ودموع على الخدود تـسـيح
وحبيب صعب التجني ولكـن ........ كل ما يفعل المليح مـلـيح
يا ابن عمي ملأت بالوجد قلبي ........ إن طرفي من الدموع قريح
فنهرت ابنة عمي وشتمتها فبكت ، ثم مسحت دموعها وأقبلت علي وقبلتني ، أخذت تضمني إلى صدرها وأنا أتباعد عنها وأعاتب نفسي ، فقالت لي :
يا ابن عمي كأنك نمت في هذه الليلة .
فقلت لها :
نعم ولكنني لما انتبهت وجدت كعب عظم على بطني وفردت طاب ونواة بلح وبزرة خروب وما أدري لأي شيء فعلت هكذا .
ثم بكيت وأقبلت عليها وقلت لها :
فسري لي إشارة فعلها هذا وقولي لي ماذا أفعل وساعديني على الذي أنا فيه .
فقالت لي :
على الرأس والعين أما فردة الطاب التي وضعتها على بطنك فإنها تشير لك إلى أنك حضرت وقلبك غائب وكأنها تقول لك :
ليس العشق هكذا فلا تعد نفسك من العاشقين .
وأما نواة البلح فإنها تشير لك بها إلى أنك لو كنت عاشقاً لكان قلبك محترقاً بالغرام ، ولم تذق لذيذ المنام فإن لذة الحب كتمرة ألهبت في الفؤاد جمرة .
وأما بزرة الخروب فإنها تشير لك به إلى أن قلب المحب مسلوب وتقول لك :
اصبر على فراقها صبر أيوب .
فلما سمعت هذا التفسير انطلقت في فؤادي النيران وزادت بقلبي الأحزان فصحت وقلت :
قدر الله علي النوم لقلة بختي .
ثم قلت لها :
يا ابنة عمي بحياتي عندك أن تدبري لي حيلة أتوصل بها إليها .
فبكت وقالت :
يا عزيزي ، يا ابن عمي إن قلبي ملآن بالفكر ، ولا أقدر أن أتكلم ولكن رح الليلة إلى ذلك المكان واحذر أن تنام فإنك تبلغ المرام هذا هو الرأي والسلام .
فقلت لها :
إن شاء الله لا أنام وإنما أفعل ما تأمريني به .
فقامت بنت عمي وأتت بالطعام وقالت لي :
كل الآن ما يكفيك حتى لا يبقى في خاطرك شيء .
فأكلت كفايتي ولما أتى الليل قامت بنت عمي وأتتني ببدلة عظيمة ألبستني إياها وحلفتني أن أذكر لها البيت المذكور وحذرتني من النوم .
ثم خرجت من عند بيت عمي وتوجهت إلى البستان وطلعت إلى البستان وطلعت ذلك المقعد ونظرت إلى البستان وجعلت أفتح عيني بأصابعي وأهز رأسي ، حين جن الليل .



وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .

توقيع
مون فايس ..:: مشرفه دليل المطبخ والتغذيه ::..




الليلة الرابعة والأربعين بعد المئة

قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن الشاب قال لتاج الملوك :
وطلعت من ذلك المقعد ونظرت إلى البستان وجعلت أفتح عيني وأهز رأسي حين جن الليل فلما طلعت رجعت من السهر وهبت علي روائح الطعام فازداد جوعي وتوجهت إلى السفرة وكشفت عظاءها ، وأكلت من كل لون لقمة ، وأكلت قطعة لحم ، وأتيت إلى باطية الخمر وقلت في نفسي :
أشرب قدحاً .
فشربته ، ثم شربت الثاني والثالث إلى غاية عشرة وقد ضربني الهواء ، فوقعت على الأرض كالقتيل ومازلت كذلك حتى طلع النهار فانتبهت فرأيت نفسي خارج البستان ، وعلى بطني شفرة ماضية ودرهم حديد ، فارتجفت وأخذتهما وأتيت بهما إلى البيت فوجدت ابنة عمي تقول :
أني في هذا البيت مسكينة حزينة ليس لي معين إلا البكاء .
فلما دخلت وقعت من طولي ورميت السكين والدرهم من يدي وغشي علي فلما أفقت عرفتها بما حصل لي وقلت لها :
إني لم أنل أربي .
فاشتد حزنها علي لما رأت بكائي ووجدي ، وقالت لي :
إني عجزت عن النوم ، فلم تسمع نصحي فكلامي لا يفيدك شيئاً .
فقلت لها :
أسألك بالله أن تفسري لي إشارة السكين والدرهم الحديد .
فقالت :
إن الدرهم الحديد فإنها تشير بها إلى عينها اليمنى وأنها تقسم بها وتقول :
وحق رب العالمين وعين اليمين إن رجعت ثاني مرة ونمت لأذبحنك بهذه السكين وأنا خائفة عليك يا ابن عمي من مكرها وقلبي ملآن بالحزن عليك فما اقدر أن أتكلم فإن كنت تعرف من أنك إن رجعت إليها لا تنام فارجع إليها واحذر النوم فإنك تفوز بحاجتك وإن عرفت أنك إن رجعت إليها تنام على عادتك ثم رجعت إليها ونمت ذبحتك .
فقلت لها :
وكيف يكون العمل يا بنت عمي أسألك بالله أن تساعديني على هذه البلية .
فقالت :
على عيني ورأسي ولكن إن سمعت كلامي وأطعت أمري قضيت حاجتك .
فقلت لها :
إني أسمع كلامك ، وأطيع أمرك .
فقالت :
إذا كان وقت الرواح أقول لك .
ثم ضمتني إلى صدرها ووضعتني على الفراش ، ولا زالت تكسبني حتى غلبني النعاس واستغرقت في النوم فأخذت مروحة وجلست عند رأسي تروح على وجهي إلى آخر النهار ثم نبهتني فلما انتبهت وجدتها عند رأسي وفي يدها المروحة وهي تبكي ودموعها قد بلت ثيابها .
فلما رأتني استيقظت مسحت دموعها وجاءت بشيء من الأكل فامتنعت منه فقالت لي :
أما قلت لك اسمع مني وكل .
فأكلت ولم أخالفها صارت تضع الأكل في فمي وأنا أمضغ حتى امتلأت ثم أسقتني نقيع عناب السكر ، ثم غسلت يدي ونشفتها بمحرمة ، ورشت علي ماء الورد وجلست معها وأنا في عافية .
فلما أظلم الليل وألبستني ثيابي وقالت :
يا ابن عمي إسهر جميع الليل ولا تنم فإنها ما تأتيك في هذه الليلة إلا في آخر الليل ، وإن شاء الله تجتمع بها في هذه الليلة ولكن لا تنس وصيتي .
ثم بكت فأوجعتني قلبي عليها من كثرة بكائها ، وقلت لها :
ما الوصية التي وعدتني بها ?
فقالت لي :
إذا انصرفت من عندها فأنشدها البيت المقدم ذكره .
ثم خرجت من عندها وأنا فرحان ومضيت إلى البستان وطلعت المقعد وأنا شبعان فجلست وسهرت إلى ربع الليل ثم طال الليل علي حتى كأنه سنة فمكثت ساهراً ، حتى مضى ثلاثة أرباع الليلة وصاحت الديوك فاشتد عندي الجوع من السهر فقمت إلى السفرة وأكلت حتى اكتفيت فثقلت رأسي وأردت أن أنام وإذا بضجة على بعد فنهضت وغسلت يدي وفمي ، ونبهت نفسي فما كان إلا قليل وإذا بها أتت ومعها عشر جوار ، وهي بينهن كأنها البدر بين الكواكب وعليها حلة من الأطلس الأخضر مزركشة بالذهب الأحمر وهي كما قال الشاعر :
تتيه على العشاق في حلل خضـر ........ مفككة الأزرار محلولة الشعـر
فقلت لها ما الاسم قالت أنا التـي ........ كويت قلوب العاشقين على الجمر
شكوت لها ما أقاسي من الهـوى ........ فقالت إلى صخر شكوت ولم تدر
فقلت لها إن كان قلبك صـخـرة ........ فقد أنبع الله الزلال من الصخـر
فلما رأتني ضحكت وقالت :
كيف انتبهت ولم يغلب عليك النوم وحيث سهرت الليل علمت أنك عاشق ، لأن من شيم العشاق سهر الليل في مكابدة الأشواق .
ثم أقبلت علي الجواري وغمزتهن فانصرفن عنها وأقبلت علي وضمتني إلى صدرها وقبلتني وقبلتها ومصت شفتي التحتانية ومصصت شفتها الفوقانية ، ثم مددت يدي إلى خصرها وغمرته ، وما نزلنا في الأرض إلا سواء وحلت سراويلها فنزلت في خلال رجليها وأخذنا في الهراس والتعنيق والغنج والكلام الرقيق والعض وحمل السيقان إلى أن ارتخت مفاصلها وغشي عليها ودخلت في الغيبوبة وكانت تلك الليلة ، مسرة القلب وقرة الناظر كما قال فيها الشاعر :
أهنى ليالي الدهر عندي لـيلة ........ لم أخل فيها الكأس من أعمال
فرقت فيها بين جفني والكرى ........ وجمعت بين القرط والخلخال
فلما أصبح الصباح أردت الانصراف وإذا بها أمسكتني وقالت لي :
قف حتى أخبرك بشيء .



وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .

توقيع
مون فايس ..:: مشرفه دليل المطبخ والتغذيه ::..




الليلة الخامسة والأربعين بعد المئة

قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن الشاب قال لتاج الملوك قالت :
عندما أردت أن انصرف أمسكتني وقالت لي :
قف حتى أخبرك بشيء وأوصيك وصية .
فوقفت فحلت منديلاً وأخرجت هذه الخرقة ونشرتها قدامي فوجدت فيها صورة غزال على هذا المثال فتعجبت منها غاية العجب فأخذته من عندها وتواعدت وإياها أن أسعى إليها في كل ليلة في ذلك البستان ثم انصرفت من عندها وأنا فرحان ومن فرحي نسيت الشعر الذي أوصتني به بنت عمي وحين أعطتني الخرقة التي فيها صورة الغزال قالت لي :
هذا عمل أختي .
فقلت لها :
وما اسم أختك ?
قالت :
اسمها نور الهدى .
فاحتفظ بهذه الخرقة ثم ودعتها وانصرفت وأنا فرحان ومشيت إلى أن دخلت على ابنة عمي فوجدتها راقدة فلما رأتني قامت ودموعها تتساقط .
ثم أقبلت علي وقبلت صدري وقالت :
هل فعلت ما أوصيتك به من إنشاد بيت الشعر ?
فقلت لها :
إني نسيته وما شغلني عنه إلا صورة هذا الغزال ورميت الخرقة قدامها فقامت وقعدت ولم تطق الصبر وأفاضت دمع العين وأنشدت هذين البيتين:
يا طالباً للفراق مهـلاً ........ فلا يغرنك العـنـاق
مهلاً فطبع الـزمـان غدر ........ وآخر الصحبة الفراق
فلما فرغت من شعرها قالت :
يا ابن عمي هب لي هذه الخرقة .
فوهبتها لها فأخذتها ونشرتها ورأت ما فيها ، فلما جاء وقت ذهابي قالت ابنة عمي :
اذهب مصحوباً بالسلامة ولكن إذا انصرفت من عندها فأنشد بيت الشعر الذي أخبرتك به أولاً ونسيته .
فقلت لها :
أعيديه لي .
فأعادته ثم مضيت إلى البستان ودخلت المقعد فوجدت الصبية في انتظاري فلما رأتني قامت وقبلتني وأجلستني في حجرها ثم أكلنا وشربنا وقضينا أغراضنا كما تقدم ولا حاجة إلى الإعادة فلما أصبح الصباح أنشدتها بيت الشعر وهو :
ألا أيها العشاق باللـه خـبـروا ........ إذا اشتد عشق الفتى كيف يصنع
فلما سمعته هملت عيناها بالدموع وأنشدت :
يداري هواه ثـم يكـتـم سـره ........ ويصبر في كل الأمور ويخضع
فحفظته وفرحت بقضاء حاجة ابنة عمي فوجدتها راقدة ، وأمي عند رأسها تبكي على حالها فلما دخلت عليها قالت لي أمي :
تباً لك من ابن عم كيف تترك بنت عمك على استواء ولا تسأل عن مرضها ?
فلما رأتني ابنة عمي ، رفعت رأسها وقعدت وقالت لي :
يا عزيز هل أنشدتها البيت الذي أخبرتك به ?
فقلت :
نعم فلما سمعته بكت وأنشدتني بيتاً آخر ، وحفظته .
فقالت بنت عمي :
أسمعني إياه .
فأسمعتها إياه فبكت بكاءً شديداً وأنشدت هذا البيت :
لقد حاول الصبر الجميل ولم يجد ........ له غير قلب في الصبابة يجزع
ثم قالت ابنة عمي :
إذا ذهبت إليها على عادتك فأنشدها هذا البيت الذي سمعته .
فقلت لها :
سمعاً وطاعة .
ثم ذهبت إليها في البستان على العادة ، وكان بيننا ما كان ما يقصر عن وصفه اللسان فلما أردت الانصراف أنشدتها ذلك البيت وهو له إلى آخره فلما سمعته سالت مدامعها في المحاجر ، وأنشدت قول الشاعر :
فإن لم يجد صبراً لكتمـان سـره ........ فليس له عندي سوى الموت أنفع
فحفظته وتوجهت إلى البيت فلما دخلت على ابنة عمي وجدتها ملقاة مغشياً عليها وأمي جالسة عند رأسها ، فلما سمعت كلامي فتحت عينيها وقالت :
يا عزيز هل أنشدتها بيت الشعر ?
قلت لها :
نعم ولما سمعته بكت وأنشدتني هذا البيت فإن لم يجد إلى آخره .
فلما سمعته بنت عمي غشي عليها ثانياً فلما أفاقت أنشدت هذا البيت :
سمعنا أطعنا ثم متنـا فـبلـغوا ........ سلامي على كل من كان للوصل يمنع
ثم لما أقبل الليل مضيت إلى البستان على جري عادتي فوجدت الصبية في انتظاري فجلسنا وأكلنا وشربنا وعملنا حظنا ثم نمنا إلى الصباح ، فلما أردت الانصراف أنشدتها ما قالته ابنة عمي فلما سمعت ذلك صرخت صرخة عظيمة تضجرت وقالت :
والله إن قائلة هذا الشعر قد ماتت .
ثم بكت وقالت :
ويلك ما تقرب لك قائلة هذا الشعر ?
قلت لها :
إنها ابنة عمي .
قالت :
كذبت والله لو كانت ابنة عمك لكان عندك لها من المحبة مثل ما عندها لك فأنت الذي قتلتها قتلك الله كما قتلتها ، والله لو أخبرتني أن لك ابنة عم ما قربتك مني .
فقلت لها :
ابنة عمي كانت تفسر لي الإشارات التي كنت تشيرين بها إلي وهي التي علمتني ما أفعل معك وما وصلت إليك إلا بحسن تدبيرها .
فقالت :
وهل عرفت بنا ?
قلت :
نعم .
قالت :
حسرك الله على شبابك كما حسرتها على شبابها .
ثم قالت لي :
رح انظرها .
فذهبت وخاطري متشوش ، وما زلت ماشياً حتى وصلت إلى زقاقنا فسمعت عياطاً فسألت عنه فقيل :
إن عزيزة وجدناها خلف الباب ميتة .
ثم دخلت الدار فلما رأتني أمي قالت :
إن خطيئتها في عنقك لا سامحك الله من دمها .



وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .

توقيع
مون فايس ..:: مشرفه دليل المطبخ والتغذيه ::..



الليلة السادسة والأربعين بعد المئة

قالت شهرزاد :


بلغني أيها الملك السعيد أن الشاب قال لتاج الملوك :
ثم دخلت الدار فلما رأتي أمي قالت :
إن خطيئتها في عنقك لا سامحك الله من دمها .
ثم إن أبي جاء وجهزناها وشيعنا جنازتها ودفناها وعملنا على قبرها الختمات ومكثنا على القبر ثلاثة أيام ثم رجعت إلى البيت وأنا حزين عليها فأقبلت علي أمي وقالت لي :
إن قصدي أن أعرف ما كنت تفعله معها حتى فقعت مرارتها ، وإني يا ولدي كنت أسألها في كل الأوقات عن سبب مرضها فلم تخبرني به ولم تطلعني عليه فبالله عليك أن تخبرني بالذي كنت تصنعه معها حتى ماتت .
فقلت :
ما عملت شيئاً .
فقالت :
الله يقتص لها منك فإنها ما ذكرت شيئاً بل كتمت أمرها حتى ماتت وهي راضية ولما ماتت كنت عندها ففتحت عينيها وقالت لي :
يا امرأة عمي جعل الله ولدك في حل من دمي ولا آخذه بما فعل معي وإنما نقلني إلى الله من الدنيا الفانية إلى الآخرة الباقية .
فقلت لها :
يا ابنتي سلامتك وسلامة شبابك .
وصرت أسألها عن سبب مرضها فما تكلمت ثم تبسمت وقالت :
يا امرأة عمي إذا أراد ابنك أن يذهب إلى الموضع الذي عادته الذهاب إليه فقول له يقول هاتين الكلمتين عند انصرافه منه :
الوفاء مليح والغدر قبيح .
وهذه سفقة مني عليه لأكون شفيقة عليه في حياتي وبعد مماتي .
ثم أعطتني لك حاجة وحلفتني أني لا أعطيها لك حتى أراك تبكي عليها وتنوح الحاجة عندي فإذا رأيتك على الصفة التي ذكرتها أعطيتك إياها .
فقلت لها :
أريني إياها .
فما رضيت ثم إني اشتغلت بلذاتي ولم أتذكر موت ابنة عمي لأني كنت طائش العقل وكنت أود في نفسي أن أكون طول ليلي ونهاري عند محبوبتي وما صدقت أن الليل أقبل حتى مضيت إلى البستان فوجدت الصبية جالسة على مقالي النار من كثرة الانتظار فما صدقت أنها رأتني فبادرت إلي وتعلقت برقبتي وسألتني عن بنت عمي فقلت لها :
إنها ماتت وعملنا لها الذكر والختمات ومضى لها أربع ليالي وهذه الخامسة .
فلما سمعت ذلك صاحت وبكت وقالت :
أما قلت لك إنك قتلتها ولو أعلمتني بها قبل موتها لكنت كافأتها على ما فعلت معي من المعروف فإنها خدمتني وأوصلتك إلي ولولاها ما اجتمعت بك وأنا خائفة عليك أن تقع في مصيبة بسبب رزيتها .
فقلت لها :
إنها قد جعلتني في حل قبل موتها .
ثم ذكرت لها ما أخبرتني به أمي فقالت :
بالله عليك إذا ذهبت إلى أمك فاعرف الحاجة التي عندها .
فقلت لها :
إن أمي قالت لي :
إن ابنة عمك قبل أن تموت أوصتني وقالت لي :
إذا أراد ابنك أن يذهب إلى الموضع الذي عادته الذهاب إليه فقولي له هاتين الكلمتين :
الوفاء مليح والغدر قبيح .
فلما سمعت الصبية ذلك قالت :
رحمة الله عليها فإنها خلصتك مني وقد كنت أضمرت على ضررك فأنا لا أضرك ولا أشوش عليك .
فتعجبت من ذلك وقلت لها :
وما كنت تريدين قبل أن تفعليه معي وقد صار بيني وبينك مودة ?
فقالت لي :
أنت مولع بي ولكنك صغير السن وقلبك خال من الخداع فأنت لا تعرف مكرنا ولا خداعنا ، ولو كانت في قيد الحياة لكانت معينة لك فإنها سبب سلامتك حتى أنجتك من الهلكة ، والآن أوصيك أن لا تتكلم مع واحدة ولا تخاطب واحدة من أمثالنا لا صغيرة ولا كبيرة ، فإياك ثم إياك ذلك لأنك غير عارف بخداع النساء ولا مكرهن والتي تفسر لك الإشارات قد ماتت وإني أخاف عليك أن تقع في رزية فلا تجد من يخلصك منها بعد موت بنت عمك .



وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .

توقيع
مون فايس ..:: مشرفه دليل المطبخ والتغذيه ::..





الليلة السابعة والأربعين بعد المئة

قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن الشاب قال لتاج الملوك :
ثم إن الصبية قالت :
فواحسرتاه على بنت عمك وليتني علمت بها قبل موتها حتى أكافئها على ما فعلت معي من المعروف رحمة الله تعالى عليها فإنها كتمت سرها ولم تبح بما عندها ولولاها ما كنت تصل إلي أبداً وإني أشتهي عليك أمراً .
فقلت :
ما هو ?
قالت :
إن توصلني إلى قبرها حتى أزورها في القبر الذي هي فيه وأكتب عليه أبياتاً .
فقلت لها :
في غد إن شاء الله تعالى .
ثم إني نمت معها تلك الليلة وهي بعد كل ساعة تقول لي :
ليتك أخبرتني بابنة عمك قبل موتها .
فقلت لها :
ما معنى هاتين الكلمتين اللتين قالتهما وهما الوفاء مليح والغدر قبيح ?
فلم تجبني .
فلما أصبح الصباح قامت وأخذت كيساً فيه دنانير وقالت لي :
قم وأرني قبرها حتى أزوره وأكتب عليه أبياتاً وأعمل عليه قبة وأترحم عليها وأصرف هذه الدنانير صدقة على روحها .
فقلت لها :
سمعاً وطاعة .
ثم مشيت قدامها ومشت خلفي وصارت تتصدق وهي ماشية في الطريق وكلما تصدقت صدقة تقول :
هذه الصدقة على روح عزيزة التي كتمت سرها حتى شربت كأس مناياها ولم تبح بسر هواها .
ولم تزل تتصدق من الكيس وتقول :
على روح عزيزة .
حتى وصلنا القبر ونفذ ما في الكيس ، فلما عاينت القبر رمت روحها عليه وبكت بكاء شديداً ، ثم إنها أخرجت بكاراً من الفولاذ ومطرقة لطيفة وخطب بالبيكار على الحجر الذي على رأس القبر خطاً لطيفاً ورسمت هذه الأبيات :
مرت بقبر دارس وسـط روضة ........ عليه من النعمان سبع شـقـائق
فقلت لمن ذا القبر جاوبني الثرى ........ تأدب فهذا القبر برزخ عـاشـق
فقلت رعاك الله يا ميت الـهـوى ........ وأسكنك الفردوس أعلى الشواهق
مساكين أهل العشق حتى قبورهم ........ عليها تراب الذل بين الـخـلائق
فإن أستطع زرعاً زرعتك روضة ........ وأسقيتها من دمعي المتـدافـق
ثم بكت بكاء شديداً وقامت وقمت معها وتوجهنا إلى البستان فقالت لي :
سألتك بالله أن لا تنقطع عني أبداً .
فقلت :
سمعاً وطاعة .
ثم إني صرت أتردد عليها وكلما بت عندها تحسن إلي وتكرمني وتسألني عن الكلمتين اللتين قالتهما ابنة عمي ومكثت مستغرقاً في تلك اللذات سنة كاملة ، وعند رأس السنة دخلت الحمام وأصلحت شأني ولبست بدلة فاخرة من الحمام وشربت قدحاً من الشراب وشممت روائح قماشي المضمغ بأنواع الطيب وأنا خالي القلب من غدرات الزمان وطواق الحدثان فلما جاء وقت العشاء اشتاقت نفسي إلى الذهاب إليها وأنا سكران لا أدري أين أتوجه ، فذهبت إليها فمال بي السكر إلى زقاق يقال له :
زقاق النقيب فبينما أنا ماش في ذلك لزقاق وإذا بعجوز ماشية وفي إحدى يديها شمعة مضيئة وفي يدها الأخرى كتاب ملفوف .



وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .

توقيع

Powered by: vBulletin
 ©2000 - 2025, Enterprises Ltd.
المنتدى برعاية مميزون العرب للخدمات الرقمية
www.z777z.com
Adsense Management by Losha
( جميع مايكتب يعبر عن وجهة نظر كاتبه ولا يحمل وجهة نظر الموقع يعبر عن كاتبها فقط )
جميع الحقوق محفوظة زوجــي و زوجتــي عالم الحياة الزوجية
جميع الحقوق محفوظة زوجــي و زوجتــي عالم الحياة الزوجية