بلغني أيها الملك السعيد أن العجوز قالت للبواب وقد أظهرت الغضب :
أنا أعرف أنك عاقل ومؤدب فإذا كان حالك قد تغير فإني أعلمها بذلك وأخبرها أنك تعرضت لجاريتها .
ثم زعقت على تاج الملوك وقالت له :
اعبري يا جارية .
فعند ذلك عبر إلى داخل الدهليز كما أمرته وسكت الخادم ولم يتكلم ، ثم إن تاج الملوك عد خمسة أبواب ودخل الباب السادس فوجد السيدة دنيا واقفة في انتظاره ، فلما رأته عرفته فضمته إلى صدرها وضمها إلى صدره ثم دخلت العجوز عليهما وتحيلت على صرف الجواري ثم قالت السيدة دنيا للعجوز :
كوني أنت البوابة .
ثم اختلت هي وتاج الملوك ولم يزالا في ضم وعناق والتفاف ساق على ساق إلى وقت السحر .
ولما أصبح الصباح أغلقت عليهما الباب ودخلت مقصورة أخرى وجلست على جري عادتها وأتت إليها الجواري فقضت حوائجهن وصارت تحدثهن ، ثم قالت لهن :
اخرجن الآن من عندي فإني أريد أن أنشرح وحدي .
فخرجت الجواري من عندها ثم إنها أتت إليهما ومعها شيء من الأكل فأكلوا وأخذوا في الهراش إلى وقت السحر فأغلقت عليهما مثل اليوم الأول ، ولم يزالا على ذلك مدة شهر كامل .
هذا ما كان من أمر تاج الملوك والسيدة دنيا .
وأما ما كان من أمر الوزير وعزيز فإنهما لما توجه تاج الملوك إلى قصر بنت الملك ومكث تلك المدة علما أنه لا يخرج منه أبداً وأنه هالك لا محالة فقال عزيز :
يا والدي ماذا نصنع ?
فقال الوزير :
يا ولدي إن هذا الأمر مشكل وإن لم نرجع إلى أبيه ونعلمه فإنه يلومنا على ذلك .
ثم تجهزا في الوقت والساعة وتوجها إلى الأرض الخضراء والعمودين وتخت الملك سليمان شاه وسارا يقطعان الأودية في الليلة والنهار إلى أن دخلا على الملك سليمان شاه وأخبراه بما جرى لولده وأنه من حين دخل قصر بنت الملك لم يعلموا له خبر فعند ذلك قامت عليه القيامة واشتدت به الندامة وأمر أن ينادي في مملكته بالجهاد ثم أبرز العساكر إلى خارج مدينته ونصب لهم الخيام وجلس في سرادقه حتى اجتمعت الجيوش من سائر الأقطار ، وكانت رعيته تحبه لكثرة عدله وإحسانه ثم سار في عسكر سد الأفق متوجهاً في طلب ولده تاج الملوك .
هذا ما كان من أمر هؤلاء .
وأما ما كان من أمر تاج الملوك والسيدة دنيا فإنهما أقاما على حالهما نصف سنة وهما كل يوم يزدادان محبة في بعضهما وزاد على تاج الملوك العشق والهيام والوجد والغرام حتى أفصح لها عن الضمير وقال لها :
اعلمي يا حبيبة القلب والفؤاد أني كلما أقمت عندك ازددت هياماً ووجداً وغراماً لأني ما بلغت المرام بالكلية .
فقالت له :
وما تريد يا نور عيني ?
بلغني أيها الملك السعيد أن دنيا قالت لتاج الملوك :
وماذا تريد يا نور عيني وثمرة فؤادي ؟ إن شئت غير الضم والعناق والتفاف الساق على الساق فافعل الذي يرضيك وليس لله فينا شريك .
فقال :
ليس مرادي هكذا وإنما مرادي أن أخبرك بحقيقتي فاعلمي إني لست بتاجر بل أنا ملك ابن ملك واسم أبي سليمان شاه الذي أنفذ الوزير رسولاً إلى أبيك ليخطبك لي فلما بلغك الخبر ما رضيت .
ثم إنه قص عليها قصته من الأول إلى الآخر وليس في الإعادة إفادة ، وأريد الآن أن أتوجه إلى أبي ليرسل رسولاً إلى أبيك ويخطبك منه ونستريح .
فلما سمعت ذلك الكلام فرحت فرحاً شديداً لأنه وافق غرضها ثم على هذا الاتفاق ، واتفق في الأمر المقدور أن النوم غلب عليهما في تلك الليلة من دون الليالي واستمرا إلى أن طلعت الشمس ، وفي ذلك الوقت كان الملك شهرمان جالساً في دست مملكته وبين يديه أمراء دولته إذ دخل عليه عريف الصياغ وبيده حق كبير وفتحه بين يدي الملك وأخرج منه علبة لطيفة تساوي مائة ألف دينار لما فيها من الجواهر واليواقيت والزمرد والتفت إلى الخادم الكبير الذي جرى له مع العجوز ما جرى وقال له :
يا كافور خذ هذه العلبة وامض بها إلى السيدة دنيا .
فأخذها الخادم ومضى حتى وصل إلى مقصورة بنت الملك فوجد بابها مغلقاً والعجوز نائمة على عتبته فقال الخادم :
إلى هذه الساعة وأنتم نائمون ?
فلما سمعت العجوز كلام الخادم انتبهت من منامها وخافت منه وقالت له :
اصبر حتى آتيك بالمفتاح ثم خرجت على وجهها هاربة .
هذا ما كان من أمرها .
وأما ما كان من أمر الخادم فإنه عرف أنها مرتابة فخلع الثياب ودخل المقصورة فوجد السيدة دنيا معانقة لتاج الملوك وهما نائمان .
فلما رأى ذلك تحير في أمره وهم أن يعود إلى الملك فانتبهت السيدة دنيا فوجدته فتغيرت واصفر لونها وقالت له :
يا كافور استر ما ستر الله .
فقال :
أنا ما أقدر أن أخفي شيئاً عن الملك .
ثم أقفل الباب عليهما .