مون فايس ..:: مشرفه دليل المطبخ والتغذيه ::..



تكملة حكاية العاشق والمعشوق




الليلة الخامسة والستين بعد المئة





قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن الخادم لما أقفل الباب عليهما رجع إلى الملك فقال له :
هل أعطيت العلبة لسيدتك ?
فقال الخادم :
خذ العلبة ها هي وأنا لا أقدر أن أخفي شيئاً ، اعلم أني رأيت عند السيدة دنيا شاباً جميلاً نائماً معها في فراش واحد وهما متعانقان .
فأمر الملك بإحضارهما فلما حضرا بين يديه قال لهما :
ما هذه الفعال ?
واشتد به الغيظ فأخذ نمشة وهم أن يضرب به تاج الملوك وقال له :
ويلك من أنت ? ومن أين أنت ? ومن هو أبوك وما جسرك على ابنتي ?
فقال تاج الملوك :
اعلم أيها الملك إن قتلتني هلكت وندمت أنت ومن معك في مملكتك .
فقال له الملك :
ولم ذلك ?
فقال :
اعلم أني ابن الملك سليمان شاه وما تدري إلا وقد أقبل عليك بخيله ورجاله .
فلما سمع الملك شهرمان ذلك الكلام أراد أن يؤخر قتله ويضعه في السجن حتى ينظر صحة قوله ، فقال له وزيره :
يا ملك الزمان الرأي عندي أن تعجل قتل هذا العلق فإنه تجاسر على بنات الملوك .
فقال للسياف :
اضرب عنقه فإنه خائن .
فأخذه السياف وشد وثاقه ورفع يده وشاور الأمراء أولاً وثانياً وقصد بذلك أن يكون في الأمر توان فزعق عليه الملك وقال :
متى تشاور إن شاورت مرة أخرى ضربت عنقك .
فرفع السياف يده حتى بان شعر إبطه وأراد أن يضرب عنقه .



وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .

مون فايس ..:: مشرفه دليل المطبخ والتغذيه ::..


تكملة حكاية العاشق والمعشوق

الليلة السادسة والستين بعد المئة


قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن السياف رفع يده وأراد أن يضرب عنقه وإذا بزعقات عالية والناس أغلقوا الدكاكين فقال للسياف :
لا تعجل .
ثم أرسل من يكشف الخبر فمضى الرسول ثم عاد إليه وقال له :
رأيت عسكراً كالبحر العجاج المتلاطم بالأمواج وخيلهم في ركض وقد ارتجت لهم الأرض وما أدري خبرهم .
فاندهش الملك وخاف على ملكه أن ينزع منه ثم التفت إلى وزيره وقال له :
أما خرج أحد من عسكرنا إلى هذا العسكر ?
فما أتم كلامه إلا وحجابه قد دخلوا عليه ومعهم رسل الملك القادم ومن جملتهم الوزير فابتدأه بالسلام فنهض لهم قائماً وقربهم وسألهم عن شأن قدومهم فنهض الوزير من بينهم وتقدم إليه وقال له :
اعلم أن الذي نزل بأرضك ليس كالملوك المتقدمين ولا مثل السلاطين السالفين .
فقال له الملك :
ومن هو ?
قال الوزير :
هو صاحب العدل والأمان الذي سارت بعلو همته الركبان السلطان سليمان شاه صاحب الأرض الخضراء والعمودين وجبال أصفهان وهو يحب العدل والإنصاف ويكره الجور والاعتساف ويقول لك :
إن ابنه عندك وفي مدينتك وهو حشاشة قلبه وثمرة فؤاده ، فإن وجده سالماً فهو المقصود وأنت المشكور المحمود وإن كان فقد من بلادك أو أصابه شيء فأبشر بالدمار وخراب الديار لأنه يصير بلدك قفراً ينعق فيها البوم والغراب ، وها أنا قد بلغتك الرسالة والسلام .
فلما سمع الملك شهرمان ذلك الكلام من الرسول انزعج فؤاده وخاف على مملكته وزعق على أرباب دولته ووزرائه وحجابه ونوابه فلما حضروا قال لهم :
ويلكم انزلوا وفتشوا على ذلك الغلام .
وكان تحت يد السياف وقد تغير من كثرة ما حصل من الفزع ، ثم إن الرسول لاحت منه التفاتة فوجد ابن ملكه على نطع الدم فعرفه وقام ورمى روحه عليه وكذلك بقية الرسل ثم تقدموا وحلوا وثاقه وقبلوا يديه ورجليه ففتح تاج الملوك عينيه فعرف وزير والده وعرف صاحبه عزيز فوقع مغشياً عليه من شدة فرحته بهما .
ثم إن الملك شهرمان صار متحيراً في أمره وخاف خوفاً شديداً لا تحقق مجيء هذا العسكر بسبب هذا الغلام فقام وتمشى إلى تاج الملوك وقبل رأسه ودمعت عيناه وقال له :
يا ولدي لا تؤاخذني ولا تؤاخذ المسيء بفعله فارحم شيبتي ولا تخرب مملكتي .
فدنا منه تاج الملوك وقبل يده وقال له :
لا باس عليك وأنت عندي بمنزلة والدي ولكن الحذر أن يصيب محبوبتي السيدة دنيا شيء .
فقال الملك شهرمان :
لا تخف عليها فما يحصل لها إلا السرور .
وسار الملك يعتذر إليه ويطيب خاطر وزير الملك سليمان شاه ووعده بالمال الجزيل على أن يخفي من الملك ما رآه ، ثم بعد ذلك أمر كبراء دولته أن يأخذوا تاج الملوك ويذهبوا به إلى الحمام ويلبسوه بدلة من خيار الملابس ويأتوا بسرعة ففعلوا ذلك وأدخلوه الحمام وألبسوه البدلة التي أفردها له الملك شهرمان ثم أتوا به إلى المجلس .
فلما دخل على الملك شهرمان وقف له هو وجميع أرباب دولته وقام الجميع في خدمته .
ثم إن تاج الملوك جلس يحدث وزير والده وعزيز بما وقع له ، فقال له الوزير وعزيز :
ونحن في تلك المدة مضينا إلى والدك فأخبرناه بأنك دخلت سراية بنت الملك ولم تخرج والتبس علينا أمرك ، فحين سمع بذلك جهز العساكر ثم قدمنا هذه الديار وكان في قدومنا الفرح والسرور .
فقال لهما :
لا زال الخير يجري على أيديكما أولاً وآخراً .
وكان الملك في ذلك الوقت قد دخل على ابنته السيدة دنيا فوجدها تبكي على تاج الملوك وقد أخذت سيفاً وركزت قبضته إلى الأرض وجعلت ذبابته على رأس قلبها بين نهديها وانحنت على السيف وصارت تقول :
لابد أن أقتل نفسي ولا أعيش بعد حبيبي .
فلما دخل عليها أبوها ورآها على هذه الحالة صاح عليها وقال لها :
يا سيدة بنات الملوك لا تفعلي وارحمي أباك وأهل بلدتك .
ثم تقدم إليها وقال لها :
أحاشيك أن يصيب والدك بسببك سوء .
ثم أعلمها بالقصة وأن محبوبها ابن الملك سليمان شاه يريد زواجها وقال لها :
إن أمر الخطبة والزواج مفوض إلى رأيك .
فتبسمت وقالت له :
أما قلت لك إنه ابن سلطان فأنا أخليه يصلبك على خشبة لا تساوي درهمين .
فقال لها :
بالله عليك أن ترحمي أباك .
فقالت له :
رح إليه وائتني به .
فقال لها :
على الرأس والعين .
ثم رجع من عندها سريعاً ودخل على تاج الملوك وشاوره بهذا الكلام ، ثم قام معه وتوجها إليها فلما رأت تاج الملوك عانقته قدام أبيها وتعلقت به وقالت له :
أوحشتني .
ثم التفتت إلى أبيها وقالت :
هل أحد يفرط في مثل هذا الشاب المليح وهو ملك ابن ملك ?
فعند ذلك خرج الملك شهرمان ورد الباب عليهما ومضى إلى وزير أبي تاج الملوك ورسله وأمرهم أن يعلموا السلطان شاه بأن ولده بخير وعافية وهو في ألذ عيش ، ثم إن السلطان شهرمان أمر بإخراج الضيافات والعلوفات إلى عساكر السلطان سليمان شاه والد تاج الملوك فلما خرجوا جميع ما أمر به أخرج مائة من الخيل ومائة هجين ومائة مملوك ومائة عبد ومائة جارية وأرسل الجميع إليه هدية ، ثم بعد ذلك توجه إليه هو وأرباب دولته وخواصه حتى صاروا في ظاهر المدينة .
فلما علم بذلك السلطان سليمان شاه تمشى خطوات إلى لقائه وكان الوزير وعزيز أعلماه ففرح وقال :
الحمد لله الذي بلغ ولدي مناه .
ثم إن الملك سليمان شاه أخذ الملك شهرمان بالحضن وأجلسه بجانبه على السرير وصار يتحدث هو وإياه ثم قدموا لهم الطعام فأكلوا حتى اكتفوا ثم قدموا لهم الحلويات ولم يمض إلا قليل حتى جاء تاج الملوك وقدم عليه بلباسه وزينته ، فلما رآه والده قام له وقبله وقام له جميع من حضر وجلس بين أيديهم ساعة يتحدثون .
فقال الملك سليمان شاه :
إني أريد أن أكتب كتاب ولدي على ابنتك على رؤوس الأشهاد .
فقال له :
سمعاً وطاعة .
ثم أرسل الملك شهرمان إلى القاضي والشهود فحضروا وكتبوا الكتاب وفرح العساكر بذلك وشرع الملك شهرمان في تجهيز ابنته .
ثم قال تاج الملوك لوالده :
أن عزيزاً رجل من الكرام وقد خدمني خدمة عظيمة وتعب وسافر معي وأوصلني إلى بغيتي ولم يزل يصبر لي حتى قضيت حاجتي ومضى معنا سنتان وهو مشتت من بلاده ، فالمقصود أننا نهيء له تجارة لأن بلاده قريبة .
فقال له والده :
نعم ما رأيت .
ثم هيأوا له مائة حمل من أغلى القماش وأقبل عليه تاج الملوك وودعه وقال له :
اقبل هذه على سبيل الهدية .
فقبلها منه وقبل الأرض قدامه وقدام والده سليمان شاه ثم ركب تاج الملوك وسافر مع عزيز قدر ثلاثة أميال وبعدها أقسم عليه عزيز أن يرجع .
وقال :
بالله لولا والدتي ما صبرت على فراقك ، فبالله عليك لا تقطع أخبارك عني .
ثم ودعه ومضى إلى مدينته فوجد والدته بنت له في وسط الدار قبراً وصارت تزوره ، ولما دخل الدار وجدها قد حلت شعرها ونشرته على القبر وهي تفيض دمع العين وتنشد هذين البيتين :
بالله يا قبر هل زالت محاسنـه ........ أو قد تغير ذات المنظر النضر
يا قبر ما أنت بستان ولا فلـك ........ فكيف يجمع فيك البدر والزهر
ثم صعدت الزفرات وأنشدت هذه الأبيات :
مالي مررت على القبور مسلما ........ قبر الحبيب فلم يرد جـوابـي
قال الحبيب وكيف رد جوابكـم ........ وأنا رهين جـنـادل وتـراب
أكل التراب محاسني فنسيتكـم ........ وحجبت عن أهلي وعن أحبابي
فلما أتمت شعرها إلا وعزيز داخل عليها ، فلما رأته قامت إليه واحتضنته وسألته عن سبب غيابه فحدثها بما وقع له من أوله إلى آخره وأن تاج الملوك أعطاه من المال والأقمشة مائة حمل من القماش ففرحت بذلك وأقام عزيز عند والدته متحيراً فيما وقع له من الدليلة المحتالة التي خصته .
هذا ما كان من أمر عزيز .
وأما ما كان من أمر تاج الملوك فإنه دخل بمحبوبته السيدة دنيا وأزال بكارتها ، ثم إن الملك شهرمان شرع في تجهيز ابنته للسفر مع زوجها وأبيه فأحضر لهم الزاد والهدايا والتحف ، ثم حملوا وسار معهم الملك شهرمان ثلاثة أيام لأجل الوداع فأقسم عليه الملك سليمان شاه بالرجوع فرجع وما زال تاج الملوك ووالده وزوجته سائرين في الليل والنهار حتى أشرفوا على بلادهم وزينت لهم المدينة .



وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .

مون فايس ..:: مشرفه دليل المطبخ والتغذيه ::..



تكملة حكاية العاشق والمعشوق
وعوده
لحكاية الملك عمر النعمان وولديه شركان وضوء المكان

الليلة السابعة والستين بعد المئة


قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن الملك سليمان شاه لما وصل إلى بلده جلس على سرير مملكته وابنه تاج الملوك في جانبه ثم أعطى ووهب وأطلق من كان في الحبوس ، ثم عمل لولده عرساً ثانياً واستمرت به المغاني والملاهي شهراً كاملاً ، وازدحمت المواشط على السيدة دنيا وهي لا تمل من الجلاء ولا يمللن من النظر إليها ، ثم دخل تاج الملوك على زوجته بعد أن اجتمع مع أبيه وأمه وما زالوا في ألذ العيش وأهنأه .
فعند ذلك قال ضوء المكان للوزير دندان :
إن مثلك من ينادم الملوك ويسلك في تدبيرهم أحسن السلوك .
هذا كله وهم محاصرون للقسطنطينية حتى مضى عليهم أربع سنين ثم اشتاقوا إلى أوطانهم وضجرت العساكر من الحصار وإدامة الحرب في الليل والنهار فأمر الملك ضوء المكان بإحضار بهرام ورستم وتركاش ، فلما حضروا قال لهم :
اعلموا أننا قمنا هذه السنين وما بلغنا مراماً فازددنا غماً وهماً ، وقد أتينا لنخلص ثأر الملك عمر النعمان فقتل أخي شركان فصارت الحسرة حسرتين والمصيبة مصيبتين ، هذا كله من العجوز ذات الدواهي فإنها قتلت السلطان في مملكته وأخذت زوجته الملكة صفية وما كفاها ذلك حتى عملت الحيلة علينا ، وذبحت أخي وقد حلفت الأيمان العظيمة أنه لابد من أخذ الثأر فما تقولون أنتم فافهموا هذا الخطاب وردوا علي الجواب .
فأطرقوا رؤوسهم وأحالوا الأمر على الوزير دندان .
فعند ذلك تقدم الوزير دندان إلى الملك ضوء المكان ، وقال له :
اعلم يا ملك الزمان أنه ما بقي في إقامتنا فائدة والرأي أننا نرحل إلى الأوطان ونقيم هناك برهة من الزمان ثم نعود ونغزوا الأعداء .
فقال الملك :
نعم هذا الرأي لأن الناس اشتاقوا إلى رؤية عيالهم وأنا أيضاً أقلقني الشوق إلى ولدي كان ما كان وإلى ابنة أخي قضى فكان لأنها في دمشق ولا أعلم ما كان من أمرهما .
فلما سمعت العساكر ذلك فرحوا ودعوا للوزير دندان ثم إن الملك ضوء المكان أمر المنادي أن ينادي بالرحيل بعد ثلاثة أيام ، فابتدأوا في تجهيز أحوالهم وفي اليوم الرابع دقت الكاسات ونشرت الرايات ، وتقدم الوزير دندان في مقدم العسكر وسار الملك في وسط العساكر ، وبجانبه الحاجب الكبير وسارت الجيوش ومازالوا مجدين السير بالليل والنهار حتى وصلوا إلى مدينة بغداد ففرحت بقدومهم الناس وزال عنهم الهم والبأس ثم ذهب كل أمير إلى داره وطلع الملك إلى قصره ودخل على ولده كان ما كان ، وقد بلغ من العمر سبع سنين وصار ينزل ويركب ولما استراح الملك من السفر دخل الحمام هو وولده كان ما كان ثم رجع وجلس على كرسي مملكته ووقف الوزير دندان بين يديه وطلعت الأمراء وخواص الدولة ووقفوا في خدمته .
فعند ذلك أمر الملك ضوء المكان بإحضار صاحبه الوقاد ، الذي أحسن إليه في غربته فحضر بين يديه فلما رآه الملك ضوء المكان قادماً عليه نهض له قائماً وأجلسه إلى جانبه وكان الملك ضوء المكان قد أخبر الوزير دندان بما فعل معه صاحبه الوقاد من المعروف فعظم في عينه وفي أعين الأمراء وكان الوقاد قد غلظ وسمن من الأكل والراحة ، وصار عنقه كعنق الفيل وبطنه كبطن الدرفيل وصار طائش العقل لأنه كان لا يخرج من المكان الذي هو فيه فلم يعرف الملك بسيماه .
أقبل عليه الملك وبش في وجهه وحياه أعظم التحيات وقال له :
ما أسرع ما نسيتني .
فأمعن فيه النظر فلما تحققه وعرفه قام له على الأقدام قال له :
يا حبيبي من عملك سلطاناً ?
فضحك عليه فأقبل عليه الوزير بالكلام وشرح له بالقصة وقال له :
إنه كان أخاك وصاحبك والآن صار ملك الأرض ولابد أن يصل إليك منه خير كثير وها أنا أوصيك إذا قال لك :
تمن علي فلا تتمن إلا شيئاً عظيماً لأنك عنده عزيز .
فقال الوقاد :
أخاف أن أتمنى عليه شيئاً فلا يسمح لي به أو لا يقدر عليه .
فقال له الوزير :
طيب قلبك والله لو طلبت ولاية دمشق موضع أخيه لولاك عليها .
فقال له :
والله لابد أن أتمنى عليه الشيء الذي هو في خاطري وكل يوم أرجو منه أن يسمح لي به .
فعند ذلك قام الوقاد على قدميه فأشار له ضوء المكان أن يجلس فأبى ، وقال :
معاذ الله قد انفضت أيام قعودي في حضرتك .
فقال له السلطان :
لا بل هي باقية إلى الآن فإنك كنت سبباً لحياتي والله لو طلبت مني مهما أردت لأعطيتك إياه فيمن علي الله .
فقال :
والله يا سيدي إني أخاف أن أتمنى شيئاً فلا تسمح لي به أو لا تقدر عليه .
فضحك السلطان وقال له :
لو تمنيت نصف مملكتي لشاركتك فيها فتمن ما تريد .
قال الوقاد :
أخاف أن أتمنى شيئاً لا تقدر عليه .
فغضب السلطان وقال له :
تمن ما أردت .
فقال له :
تمنيت عليك أن تكتب لي مرسوماً بمرافقة جميع الوقادين الذين في مدينة القدس .
فضحك السلطان وجميع من حضر وقال له :
تمن غير هذا .
فقال الوقاد :
أنا ما قلت لك إني أن أتمنى شيئاً لا تسمح لي به وما تقدر عليه .
فغمزه الوزير ثانياً وفي هذه المرة قال :
أتمنى عليك أن تجعلني رئيس الزبالين في مدينة القدس أو في دمشق .
فانقلب الحاضرون على ظهورهم من الضحك عليه وضربه الوزير .
فالتفت الوقاد إلى الوزير وقال له :
ما تكون حتى تضربني ومالي ذنب فإنك أنت الذي قلت لي تمن شيئاً عظيماً .
ثم قال :
دعوني أسير إلى بلادي .
فعرف السلطان أنه يلعب فصبر قليلاً ، ثم أقبل عليه وقال له :
يا أخي تمن علي أمراً عظيماً بمقامي لائقاً .
فقال له :
أتمنى سلطنة دمشق موضع أخيك .
فكتب له التوقيع بذلك وقال للوزير دندان :
ما يروح معه غيرك ، وإذا أردت العودة فأحضر معك بنت أخي قضى فكان .
فقال الوزير :
سمعاً وطاعة .
ثم أخذ الوقاد ونزل به وتجهز للسفر ، وأمر ضوء المكان أن يخرجوا للوقاد تختاً جديداً وطقم سلطنة وقال للأمراء :
من كان يحبني فليقدم إليه هدية عظيمة .
ثم سماه السلطان الزبلكان ولقبه بالمجاهد وبعد أن كملت حوائجه وطلع الزبلكان وفي خدمته الوزير دندان ثم دخل على ضوء المكان ليودعه فقام له وعانقه وأوصاه بالعدل بين الرعية وأمره أن يأخذ الأهبة للجهاد بعد سنتين ثم ودعه وانصرف .
وسار الملك المجاهد المسمى بالزبلكان ، بعد أن أوصاه الملك ضوء المكان بالرعية خيراً وقدمت له الأمراء المماليك فبلغوا خمسة آلاف مملوك وركبوا خلفه وركب الحاجب الكبير وأمير الديلم بهرام وأمير الترك رستم وأمير العرب تركاش وساروا في توديعه ما زالوا سائرين معه ثلاثة أيام ثم عادوا إلى بغداد وسار السلطان الزبلكان هو والوزير دندان .
وما زالوا سائرين حتى وصلوا إلى دمشق وكانت الأخبار قد وصلت إليهم على أجنحة الطيور بأن الملك ضوء المكان سلطن على دمشق ملكاً يقال له :
الزبلكان ولقبه بالمجاهد .
فلما وصل إليهم الخبر زينوا له المدينة وخرج إلى ملاقاته كل من في دمشق ثم دخل دمشق وطلع القلعة وجلس على سرير المملكة ووقف الوزير دندان في خدمته يعرفه منازل الأمراء ومراتبهم وهم يدخلون عليه ويقبلون يديه ويلوحون له .
فأقبل عليهم الملك الزبلكان وخلع وأعطى ووهب ، ثم فتح خزائن الأموال وأنفقها على جميع العساكر كبيراً وصغيراً ، وحكم وعدل وشرع الزبلكان في تجهيز بنت السلطان قضى فكان وجعل لها محفة من الإبريسم وجهز الوزير وقدم له شيئاً من المال .
فأتى الوزير دندان ، وقال له :
أنت قريب عهد بالملك وربما تحتاج إلى الأموال أو نرسل إليك نطلب منك مالاً للجهاد أو غير ذلك .
ولما تهيأ الوزير دندان للسفر ركب السلطان المجاهد إلى وداعه وأحضر قضى فكان وأركبها في المحفة وأرسل معها عشر جوار برسم الخدمة .
وبعد أن سافر الوزير دندان رجع الملك المجاهد إلى مملكته ليديرها واهتم بآلة السلاح وصار ينتظر الوقت الذي يرسل فيه الملك ضوء المكان .
هذا ما كان من أمر السلطان الزبلكان .
وأما ما كان من أمر الوزير دندان فإنه لم يزل يقطع المراحل بقضى فكان حتى وصل إلى الرحبة بعد شهر ، ثم سار حتى أشرف على بغداد وأرسل يعلم ضوء المكان بقدومه فركب وخرج إلى لقائه فأراد الوزير دندان أن يترجل .
فأقسم عليه الملك ضوء المكان أن لا يفعل فسار راكباً حتى جاء إلى جانبه وسأله عن المجاهد فأعلمه أنه بخير وأعلمه بقدوم قضى فكان بنت أخيه شركان ففرح وقال له :
دونك والراحة من تعب السفر ثلاثة أيام .
ثم بعد ذلك تعال عندي فقال :
حباً وكرامة .
ثم دخل بيته وطلع الملك إلى قصره ودخل على ابنة أخيه قضى فكان وهي ابنة ثمان سنين فلما رآها فرح بها وحزن على أبيها وأعطاها حلياً ومصاغاً عظيماً ، وأمر أن يجعلوها مع ابن عمها كان ما كان في مكان واحد وكانت أحسن أهل زمانها وأشجعهم لأنها كانت صاحبة تدبير وعقل ومعرفة بعواقب الأمور .
وأما كان ما كان فإنه كان مولعاً بمكارم الأخلاق ولكنه لا يفكر في عاقبة شيء ثم بلغ عمر كل واحد من الاثنين عشر سنين وصارت قضى فكان تركب الخيل وتطلع مع ابن عمها في البر ، ويتعلمان الضرب بالسيف والطعن بالرمح حتى بلغ عمر كل منهما اثنتي عشرة سنة .
ثم إن الملك انتهت أشغاله للجهاد وأكمل الأهبة والاستعداد ، فأحضر الوزير دندان وقال له :
اعلم أني عزمت على شيء وأريد إطلاعك عليه فأسرع في رد الجواب .
فقال الوزير دندان :
ما هو يا ملك الزمان .
قال :
عزمت على أن أسلطن ولدي كان ما كان وأفرح به في حياتي وأقاتل قدامه إلى أن يدركني الممات فما عندك من الرأي ?
فقبل الوزير دندان الأرض بين يدي الملك ضوء المكان ، وقال له :
اعلم أيها الملك السعيد صاحب الرأي السديد أن ما خطر ببالك مليح غير أنه لا يناسب في هذا الوقت الخصلتين ، الأولى :
أن ولدك كان ما كان صغير السن .
والثانية :
ما جرت به العادة أن من سلطن ولده في حياته لا يعيش إلا قليلاً ، وهذا ما عندي من الجواب .
فقال :
اعلم أيها الوزير أننا نوصي عليه الحاجب الكبير صار منا وعلينا ، وقد تزوج أختي ، فهو في منزلة أخي .
فقال الوزير :
افعل ما بدا لك فنحن ممتثلون أمرك .
فأرسل الملك إلى الحاجب الكبير فأحضره وكذلك أكابر مملكته وقال لهم :
إن هذا ولدي كان ما كان قد علمتم أنه فارس الزمان وليس له نظير في الحرب والطعان وقد جعلته سلطاناً عليكم والحاجب الكبير وصي عليه .
فقال الحاجب :
يا ملك الزمان إنما أنا أسير نعمتك .
فقال ضوء المكان :
أيها الحاجب إن ولدي كان ما كان وابنة أخي قضى فكان ولدا عم وقد زوجتها به وأشهد الحاضرين على ذلك .
ثم نقل لولده المال ما يعجز عن وصفه اللسان وبعد ذلك دخل على أخته نزهة الزمان وأعلمها بذلك ففرحت ، وقالت :
إن الاثنين ولداي والله تعالى يبقيك لهما مدى الزمان .
فقال :
يا أختي إني قضيت من الدنيا غرضي وأمنت على ولدي ولكن ينبغي أن تلاحظيه بعينك وتلاحظي أمه ثم أخذ يوصي الحاجب ونزهة الزمان على ولده وعلى زوجته ليالي وأياماً وقد أيقن بكأس الحمام ولزم الوساد وصار الحاجب يتعاطى أحكام العباد وبعد سنة أحضر ولده كان ما كان والوزير دندان ، وقال :
يا ولدي إن هذا الوزير والدك من بعدي ، واعلم أني راحل من الدار الفانية إلى الدار الباقية وقد قضيت غرضي من الدنيا ولكن بقي في قلبي حسرة يزيلها الله على يديك .
فقال ولده :
وما تلك الحسرة يا والدي ?
فقال :
يا ولدي أن أموت ولم تأخذ بثأر جدك عمر النعمان ، وعمك الملك شركان من عجوز يقال لها ذات الدواهي فإن أعطاك الله النصر لا تغفل عن أخذ الثأر وكشف العار وإياك من مكر العجوز وأقبل ما يقوله لك الوزير دندان لأنه عماد ملكنا من قديم الزمان .
فقال له ولده :
سمعاً وطاعة .
ثم هملت عيناه بالدموع .
وبعد ذلك ازداد المرض بضوء المكان وصار أمر المملكة للحاجب فصار يحكم ويأمر وينهي واستمر على ذلك سنة كاملة وضوء المكان مشغول بمرضه ومازالت به الأمراض مدة أربع سنين والحاجب الكبير قائم بأمر الملك ، وارتضى به أهل المملكة ودعت له جميع البلاد .
هذا ما كان من أمر ضوء المكان والحاجب .
وأما ما كان من أمر كان ما كان فإنه لم يكن له شغل إلا ركوب الخيل واللعب بالرمح والضرب بالنشاب وكذلك ابنة عمه قضى فكان وكانت تخرج هي وإياه من أول النهار إلى الليل فتدخل إلى أمها ويدخل هو إلى أمه فيجدها جالسة عند رأس أبيه تبكي فيخدمه بالليل .
وإذا أصبح يخرج هو وبنت عمه على عادتهما وطالت بضوء المكان التوجعات فبكى وأنشد هذه الأبيات :
تفانت قوتـي ومضى زمانـي ........ وها أنا قد بقيت كما ترانـي
فيوم العز كنت أعز قـومـي ........ وأسبقهم إلى نـيل الأمـانـي
وقد فارقت ملكي بعـد عـزي ........ إلى ذل تخـلـل بـالـهـوان
ترى قبل الممـات أرى غلامي ........ يكون على الورى ملكاً مكاني
ويفتك بالـعـداة لأخـذ ثـأر ........ بضرب السيف أو طعن السنان
أنا المغبون فـي هـزل وجد ........ إذا مولاي لا يشفي جنـانـي
فلما فرغ من شعره وضع رأسه على الوسادة ونام فرأى في منامه قائلاً يقول له :
أبشر فإن ولدك يملك البلاد وتطيعه العباد .
فانتبه من منامه مسروراً ثم بعد أيام قلائل طرقه الممات فأصاب أهل بغداد مصاب عظيم وبكى عليه الوضيع والعظيم ومضى عليه الزمان كأنه ما كان وتغير حال كان ما كان وعزله أهل بغداد وجعلوه هو وأمه في بيت على حدتهم .
فلما رأت أم كان ما كان ذلك صارت في أذل الأحوال ثم قالت :
لابد من قصد الحاجب الكبير وأرجو الرأفة من اللطيف الخبير .
فقامت من منزلها إلى أن أتت إلى بيت الحاجب الذي صار سلطاناً فوجدته جالساً على فراشه .
فدخلت عند زوجته نزهة الزمان ، وقالت :
إن الميت ماله صاحب فلا أحوجكم الله مدى الدهور والأعوام ولا زلتم تحكمون بالعدل بين الخاص والعام قد سمعت أذناك ورأت عيناك ما كنا فيه من الملك والعز والجاه والمال وحسن المعيشة والحال والآن انقلبت علينا الزمان وقصدنا الدهر بالعدوان ، وأتيت إليك قاصدة إحسانك بعد إسدائي للإحسان لأن الرجل إذا مات ذلت بعده النساء والبنات ، ثم أنشدت هذه الأبيات :
كفاك بان الموت بادي العجـائب ........ وما غائب الأعمار عنا بغـائب
وما هـذه الأيـام إلا مـراحـل ........ مواردها ممزوجة بالمصـائب
وحاضر قلبي مثل فقـد أكـارم ........ أحاطت بهم مستعظمات النوائب
فلما سمعت نزهة الزمان هذا الكلام تذكرت أخاها ضوء المكان وابنه كان ما كان فقربتها وأقبلت عليها وقالت :
أنا غنية وأنت فقيرة فوالله ما تركنا افتقارك إلا خوفاً من انكسار قلبك ، لئلا يخطر ببالك أن ما نهديه إليك صدقة مع أن جميع ما نحن فيه من الخير منك ومن زوجك ، فبيتنا بيتك ولك ما لنا وعليك ما علينا .
ثم خلعت عليها ثياباً فاخرة وأفردت لها مكاناً في القصر ملاصقا لمقصورتها وأقامت عندهم في عشية طيبة هي وولدها كان ما كان وخلعت عليه ثياب الملوك وأفردت لهما جواري برسم كل منهما .
ثم إن نزهة الزمان بعد مدة قليلة ذكرت لزوجها حديث زوجة أخيها ضوء المكان فدمعت عيناه وقال :
إن شئت أنت تنتظري الدنيا بعدك فانظريها بعد غيرك فأكرمي مثواها .



وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .

مون فايس ..:: مشرفه دليل المطبخ والتغذيه ::..


تكملة حكاية الملك عمر النعمان وولديه شركان وضوء المكان

الليلة الثامنة والستين بعد المئة


قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن هذا ما كان من أمر نزهة الزمان وزوجها وزوجة ضوء المكان .
وأما ما كان من أمر كان ما كان وابنة عمه قضى فكان فإنهما كبرا وترعرعا حتى صار كأنهما غصنان مثمران أو قمران أزهران .
وبلغنا من العمر خمسة عشر عاماً وكانت قضى فكان من أحسن البنات المخدرات ، بوجه جميل وخصر نحيل وردف ثقيل وريق كالسلسبيل وقد رشيق وثغر ألذ من الرحيق كما قال فيها بعض واصفيها هذين البيتين :
كان سلاف الخمر من ريقها بـدت ........ وعنقودها من ثغرها الدر يقطف
وأعنابها مالت إذا ما ثـنـيتـها ........ فسبحان خلاق لـهـا لا يكـيف
وقد جمع الله كل المحاسن فيها فقدها يخجل الأغصان والورد يطلب من خدها الأمان وأما الريق فإنه يهزأ بالرحيق تسر القلب والناظر كما قال فيها الشاعر :
مليحة الوصف قد تمت محاسنها ........ أجفانها تفضح التكحيل بالكحل
كأن ألحاظها في قلب عاشقهـا ........ سيف بكف أمير المؤمنين علي
وأما كان ما كان فإنه كان بديع الجمال فائق الكمال عز في الحسن عن مثال الشجاعة تلوح بين عينيه تشهد له لا عليه وقيل كل القلوب إليه وحين اخضر منه العذار كثرت فيه الأشعار كقول بعضهم :
ما بان عذري فيـه حتـى عـذرا ........ ومشى الدجى في خده متحـيرا
فأعجب لهم شهدوا ومسكنهم لظى ........ ولباسهم فيها الحرير الأخضـر
واتفق في بعض الأعياد أن قضى فكان خرجت تعيد على بعض أقاربها من الدولة والحواري حواليها ، والحسن قد عمها وورد الخد يحسد خالها والأقحوان يبتسم عن بارق ثغرها فجعل كان ما كان يدور حولها ويطلق النظر إليها وهي كالقمر الزاهر فقوى جنانه بالشعر لسانه وأنشد هذين البيتين :
متى يشتفي قلب الدنو من الـبعد ........ ويضحك ثغر الوصل من زائد الصد
فيا ليت شعري هـل أبـيتن ليلة ........ بوصل حبيب عنده بعض ما عنـدي
فلما سمعت قضى فكان هذا الشعر أظهرت له الملامة والعتاب وتوعدته بأليم العقاب فاغتاظ كان ما كان وعاد إلى بغداد وهو غضبان ثم طلعت قضى فكان إلى قصرها وشكت ابن عمها إلى أمها فقالت لها :
يا بنتي لعله ما أرادك بسوء وهل هو إلا يتيم ومع هذا لم يذكر شيئاً يعيبك فإياك أن تعلمي بذلك أحداً ، فربما بلغ الخبر إلى السلطان فيقصر عمره ويخمد ذكره ويجعل أثره كأمس الدابر والميت الغابر .
وشاع في بغداد حب كان ما كان لقضى فكان وتحدثت به النسوان ثم إن كان ما كان ضاق صدره وقل صبره اشتغل باله ولم يخف على الناس حاله واشتهى أن يبوح بما في قلبه من لوعة البين فخاف من غضبها وأنشد هذين البيتين :
إذا خفت يوماً عتاب التـي ........ تغير أخلاقها الـصـافـية
صبرت عليها كصبر الفتى ........ على الكي في طلب العافية



وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .

توقيع
مون فايس ..:: مشرفه دليل المطبخ والتغذيه ::..


تكملة حكاية الملك عمر النعمان وولديه شركان وضوء المكان

الليلة التاسعة والستين بعد المئة


قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن الحاجب الكبير لما صار سلطان ، ثم أنه بلغه حب كان ما كان لقضي فكان فندم على جعلهما معاً في محل واحد .
ثم دخل على زوجته نزهة الزمان وقال :
إن الجمع بين الخلفة والنار لمن أعظم الأخطار وليست الرجال على النساء بمؤتمنين ما دامت العيون في عج والمعاطف في لين وابن أخيك كان ما كان قد بلغ مبلغ الرجال فيجب منعه عن الدخول على ربات الحجال ومنع ابنتك عن الرجال أوجب لأن مثلها ينبغي أن يحجب .
فقالت :
صدقت أيها الملك العاقل والهمام الكامل .
فلما أصبح الصباح جاء كان ما كان ودخل على عمته نزهة الزمان على جري عادته وسلم عليها ، فردت عليه السلام وقالت له :
عندي لك كلام ما كنت احب أن أقوله لك ، ولكن أخبرك به رغماً عني .
فقال لها :
وما ذاك الكلام ?
قالت :
إن الملك سمع بحبك لقضي فكان فأمر بحجبها عنك وإذا كان لك حاجة فأنا أرسلها إليك من خلف الباب ولا تنظر قضي فكان .
فلما سمع كلامها رجع ولم ينطق بحرف واحد وأعلم والدته بما قالته عمته فقالت له :
إنما نشأ هذا من كثرة كلامك وقد علمت أن حديث حبك لقضي فكان شاع وانتشر في كل مكان وكيف تأكل زادهم وبعد ذلك تعشق ابنتهم ?
فقال :
إني أريد الزواج بها لأنها بنت عمي وأنا أحق بها .
فقالت له أمه :
أسكت لئلا يصل الخبر إلى الملك سلسان فيكون ذلك سبباً لغرقك في بحر الأحزان وهم يبعثوا لنا في هذه الليلة عشاء ولو كنا في بلد غير هذه لمتنا من ألم الجوع أو ذل السؤال .
فلما سمع كان ما كان كلام أمه زادت بقلبه الحسرات وأنشد هذه الأبيات :
أقلي من اللوم الـذي لا يفـارق ........ فقلبي إلى من تيمتني مفـارق
ولا تطلبي عند الـصـبـر ذرة ........ فصبري وبيت الله من طالـق
إذا سامني اللوام نهيا عصيتهـم ........ وهاأنا في دعوى المحبة صادق
وقد منعوني عنوة أن أزورهـا ........ وإني والرحمن ما أنا فـاسـق
وإن عظامي حين تسمع ذكرهـا ........ تشابه طيراً خلقهـن بـواشـق
ألا قل لمن قد لام في الحب أنني ........ وحق إلهي لبنت عمي لعاشـق
ولما فرغ من شعره قال لأمه :
ما بقي لي عند عمتي ولا عند هؤلاء القوم مقام بل أخرج من القصر وأسكن في أطراف المدينة بجوار قوم صعاليك .
ثم خرج وفعل كما قال وصارت أمه تتردد إلى بيت الملك سلسان وتأخذ منه ما تقتات به هي وإياه .
ثم إن قضي فكان اختلت بأم كان ما كان وقالت لها :
يا امرأة عمي ، كيف حال ولدك ?
فقالت :
أنه باكي العين حزين القلب ليس له من أسر الغرام فكاك ومقتنص من هواك في أشراك .
فبكت قضي فكان وقالت :
والله ما هجرته بغضاً له ولكن خوفاً عليه من الأعداء وعندي من الشوق أضعاف ما عنده ولولا عثرات لسانه وخفقان جنانه ما قطع أبي عنه إحسانه وأولاه منعه وحرمانه ولكن أيام الورى دول والصبر في كل الأمور أجمل ولعل من حكم بالفراق أن يمن علينا بالتلاق .
ثم أفاضت دمع العينين وأنشدت هذين البيتين :
فعندي يا ابن عمي من غرامي ........ كأمثال الذي قد حل عـنـدك
ولكن كتمت عن الناس وجدي ........ فهلا كنت أنت كتمت وجدك
فشكرتها أم كان ما كان وخرجت من عندها وأعلمت ولدها كان ما كان بذلك فزاد شوقه إليها وقال :
ما أبدلها من الحور بألفين وأنشد هذين البيتين :
فو الله لا أصغي إلى قـوم لائـم ........ ولا بحت بالسر الذي كنت كاتما
وقد غاب عني من أرجى وصاله ........ وقد سهرت عيني وقد بات نائما
ثم مضت الأيام والليالي وهو يتقلب على جمر المقالي حتى مضى له من العمر سبعة عشر عاماً وقد كمل حسنه ، ففي بعض الليالي أخذه السهر وقال في نفسه :
ما لي أرى جسمي يذوب وإلى متى لا أقدر على نيل المطلوب وما لي عيب سوى عدم الجاه والمال ، ولكن عند الله بلوغ الآمال ، فينبغي أن أشرد نفسي عن بلادها حتى تموت أو تحظى بمرادها .
ثم أضمر هذه العزمات وأنشد هذه الأبيات :
دع مهجتي تزداد في خفقانـهـا ........ ليس التذلل في الورى من شأنها
واعذر فإن حشاشـتي كصحـيفة ........ لا شك أن الدمع من عنوانـهـا
ها بنت عمي قـد بـدت حـورية ........ نزلت إلينا عن رضا رضوانهـا
من رام ألحاظ العـيون معارضـاً ........ فتكاتها لم ينج من عـدوانـهـا
سأسير في الأرض الوسيعة منقذاً ........ نفسي وأمنحها سوى حرمانهـا
وأعود مسرور الفؤاد بمطلـبـي ........ وأقاتل الأبطال في مـيدانـهـا
ولسوف أشتاق الغـنـائم عـائداً ........ وأصول مقتدراً على أقرانـهـا
ثم إن كان ما كان خرج من القصر حافياً في قميص قصير الأكمام وعلى رأسه لبدة لها سبعة أعوام وصحبته رغيف له ثلاثة أيام ، ثم سار في حندس الظلام حتى وصل إلى باب بغداد فوقف هناك .
ولما فتحوا باب المدينة كان أول من خرج منه ، ثم صار يقطع الأودية والقفار في ذلك النهار ولما أتى الليل طلبته أمه فلم تجده فضاقت عليها الدنيا باتساعها ولم تلتذ بشيء من متاعها ومكثت تنتظر أول يوم وثاني يوم وثالث يوم إلى أن مضى عشرة أيام فلم تر له خبراً فضاق صدرها ونادت قائلة :
يا مؤنسي قد هيجت أحزاني حيث فارقتني وتركت أوطاني يا ولدي من أي الجهات أناديك ? ويا هل ترى أي بلدٍ يأويك ?
ثم صعدت الزفرات وأنشدت هذه الأبيات :
علمنا بأن بعد غيبـتـكـم نـبلـى ........ ومدت قسى للفراق لـنا نـبلا
وقد خلفوني بعـد شـد رحالـهـم ........ أعالج كرب الموت إذ قطعوا الرملا
لقد هتف بي حنـين لـيل حـمامة ........ مطوقة ناحت فقلت لهـا مـهـلا
لعمرك لو كانت كمثـلـي حـزينـة ........ لما لبست طوقاً ولا خضبت رجـلا
وفارقني ألفي فـألـفـيت بـعـده ........ دواعي الهم لا تفارقـنـي أصـلا
ثم أنها امتنعت من الطعام والشراب وزادت في البكاء والانتحاب وصار بكائها على رؤوس الأشهاد ، واشتهر حزنها بين العباد والبلاد ، وصار الناس يقولون أين عينك يا ضوء المكان ويا ترى ما جرى على كان ما كان حتى بعد عن وطنه وخرج من المكان ، وكان أبوه يشبع الجيعان ويأمر بالعدل والإحسان ، ووصل خبر كان ما كان إلى الملك سلسان .



وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .

توقيع

Powered by: vBulletin
 ©2000 - 2025, Enterprises Ltd.
المنتدى برعاية مميزون العرب للخدمات الرقمية
www.z777z.com
Adsense Management by Losha
( جميع مايكتب يعبر عن وجهة نظر كاتبه ولا يحمل وجهة نظر الموقع يعبر عن كاتبها فقط )
جميع الحقوق محفوظة زوجــي و زوجتــي عالم الحياة الزوجية
جميع الحقوق محفوظة زوجــي و زوجتــي عالم الحياة الزوجية