اكملي الله يطول بعمرك قصص رائع مع اني لم اجد الكتاب لانهو ممنوع من البيع في المملكه
تكملة حكاية الملك عمر النعمان وولديه شركان وضوء المكان
الليلة السبعين بعد المئة
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن الملك سلسان وصل إليه خبر كان ما كان من الكبار وقال :
إنه ولد ملكنا ومن ذرية الملك عمر النعمان وقد بلغنا أنه تغرب عن الأوطان .
فلما سمع الملك سلسان هذا الكلام اغتاظ غيظاً شديداً وتذكر إحسان أبيه إليه وانه أوصاه عليه فحزن على كان ما كان وقال :
لابد من التفتيش عليه في سائر البلاد ثم بعث في طلبه الأمير تركاش في مائة فارس فغاب عشرة أيام ثم رجع وقال له :
ما اطلعت له على خبر ولا وقفت له على أثر .
فحزن عليه الملك سلسان حزناً شديداً ، وأما أمه فإنها صارت لا يقر لها قرار ولا يطاوعها اصطبار وقد مضى له عشرون يوماً .
هذا ما كان من أمر هؤلاء .
و أما ما كان من أمر كان ما كان فإنه لما خرج من بغداد صار متحيراً في أمره ولم يدر إلى أين يتوجه ، ثم إنه سافر في البر ثلاثة أيام وحده ولم ير راجلاً ولا فارساً فطار رقاده وزاد سهاده وتفكر أهله وبلاده وصار يتقوت من نبات الأرض ويشرب من أنهارها ويقبل وقت الحر تحت أشجارها ، ثم خرج من تلك الطريق إلى طريق أخرى وسار فيها ثلاثة أيام ، وفي اليوم الرابع أشرف على أرض معشبة الفلوات مليحة النبات وهذه الأرض قد شربت من كؤوس الغمام على أصوات القمري والحمام فاخضرت رباها وطاب فلاها فتذكر كان ما كان بلاد أبيه فأنشد من فرط ما هو فيه :
خرجت وفي أملي عودة ........ ولكني لست أدري متى
وشردني أنني لـم أجـد ........ سبيلاً إلى دفع ما قد أتى
فلما فرغ من شعره أكل من ذلك النبات وتوضأ وصلى ما كان عليه من الفريضة وجلس يستريح ومكث طول ذلك النهار ، فلما جاء الليل نام واستمر نائماً إلى نصف الليل ثم انتبه فسمع صوت إنسان ينشد هذه الأبيات :
ما العيش إلا أن يرى لك بارق ........ من ثغر من تهوى ووجه رائق
والموت أسهل من صدود حبيبة ........ لم يغشني منها خـيال طـارق
يا فرحة الندماء حيث تجمعـوا ........ وأقام معشوق هناك وعاشـق
لا سيما وقت الربـيع وزهـره ........ طاب الزمان بما إليه تسابـق
يا شارب الصهباء دونك ما ترى ........ أرض مزخرفة ومـاء دافـق
فلما سمع كان ما كان هذه الأبيات هاجت به الأشجان وجرت دموعه على خده كالغدران وانطلقت من قلبه النيران فقام ينظر قائل هذا الكلام فلم ير أحداً في جنح الظلام فأخذه القلق ونزل في مكانه إلى أسفل الوادي ومشى على شاطئ النهر فسمع صاحب الصوت يصعد الزفرات وينشد هذه الأبيات :
إن كنت تضمر ما في الحب إشفاقاً ........ فأطلق الدمع يوم البين إطـلاقـا
بيني وبين أحبائي عـهـود هوى ........ لذا إليهم أظل الدهر مـشـتـاقـا
يرتاح قلبي إلى تيم ويطـربـنـي ........ نسيم تيم إذا مـا هـب أشـواقـا
يا سعد هل ربة الخلخال تذكرنـي ........ بعد البعاد لنا عـهـداً ومـيثـاقـا
وهل تعود ليالي الوصل تجمعـنا ........ يوماً ويشرح كل بعضٍ ما لاقـى
قالت فتنت بنا وجدا فقلـت لـها ........ كم قد فتنت رعاك الله عـشـاقـا
لا متع الله طرفي في محاسنـها ........ إن كان من بعدها طيب الكرى ذاقا
يا لسعة في فؤادي ما رأيت لـها ........ سوى الوصال ورشف الثغر ترياقا
فلما سمع كان ما كان هذه الأشعار من صاحب الصوت ثاني مرة ولم ير شخصه عرف أن القائل عاشق منع من الوصول إلى من يحبه فقال في نفسه :
لعلي اجتمع بهذا فيشكو كل واحد لصاحبه وأجعله أنيسي في غيبتي .
ثم تنحنح ونادى :
أيها السائر في الليل العاكر تقرب مني وقص علي لعلك تجدني معيناً لك على بليتك .
فلما سمع صاحب الصوت هذا الكلام أجابه قائلاً :
أيها المنادي السامع لإنشادي من تكون من الفرسان وهل أنت من الأنس أو الجان ? فعجل علي بكلامك قبل دنو حمامك وامش .
فقال كان ما كان :
لا تفعل يا أخا العرب لأن أهلي لا يشتروني بفضة ولا ذهب وأنا رجل فقر ولا معي قليل ولا كثير فدع عنك هذه الأخلاق واتخذني من الرفاق واخرج بنا من أرض العراق .
فلما سمع صاحب الصوت هذا الكلام وكان اسمه صباح غضب وزاد به الالتهاب وقال له :
ويلك تراددني في الجواب يا أخس الكلاب ، أدر كتافك وإلا أنزلت عليك العذاب .
فتبسم كان ما كان وقال :
كيف أدير الكتاف ، أما عندك أوصاف ? أما تخشى معايرة العربان حيث تأسر غلاماً بالذل والهوان وما اختبرته في حومة الميدان وعلمت أهو فارس أم جبان ?.
فضحك صباح وقال :
يا الله العجب إنك في سن الغلام ولكنك كبير الكلام لأن هذا القول لا يصدر إلا عن البطل المصدام .
فقال كان ما كان :
الإنصاف أنك إذا شئت أخذي أسيراً خادماً لك أن ترمي سلاحك وتخفف لباسك وتصارعني وكل من صرع صاحبه بلغ منه مرامه وجعله غلامه .
فضحك صباح وقال :
ما أظن كثرة كلامك إلا لدنو حمامك .
ثم رمى سلاحه وشمر أذياله ودنا من كان ما كان وتجاذبا فوجده البدوي يرجح عليه كما يرجح للقنطار على الدينار ، ونظر إلى ثبات رجليه في الأرض فوجدهما كالمأذنتين المؤسستين أو الجبلين الراسخين فعرف في نفسه قصر باعه وندم على الدنو من صراعه وقال في نفسه :
ليتني قاتلته بسلاحي .
ثم إن كان ما كان قبضه وتمكن منه وهزه فأحس أن أمعاءه تقطعت في بطنه .
فصاح :
أمسك يدك يا غلام .
فلم يلتفت إلى ما أبداه من الكلام بل حمله من الأرض وقصد به النهر فناداه صباح قائلاً :
أيها البطل ما تريد أن تفعل بي .
قال :
أريد أن أرميك في هذا النهر فإنه يوصلك إلى دجلة ، والدجلة يوصلك إلى نهر عيسى ونهر عيسى يوصلك إلى الفرات والفرات يلقيك إلى بلادك فيراك قومك فيعرفونك ويعرفون مروءتك وصدق محبتك .
فصاح صباح ونادى :
يا فارس البطاح لا تفعل فعل القباح أطلقني بحياة بنت عمك سيدة الملاح .
فحطه كان ما كان في الأرض فلما رأى نفسه خالصاً ذهب إلى ترسه وسيفه وأخذهما وصار يشاور نفسه على الهجوم عليه فعرف كان ما كان ما يشاور نفسه عليه فقال له :
قد عرفت ما في قلبك حيث أخذت سيفك وترسك فإنه قد خطر ببالي أنه ليس لك يد في الصراع تطول ، ولو كنت على فرس تجول لكنت بسيفك تصول وهاأنا أبلغك ما تختار حتى لا يبقى في قلبك إنكار فأعطني الترس واهجم علي بالسيف فإما تقتلني أو أقتلك .
فرمى الترس وجرد سيفه وهجم به على كان ما كان فتناول الترس بيمينه وصار يلاقي به عن نفسه وصار صباح يضربه ويقول :
ما بقي إلا هذه الضربة الفاصلة .
فيتلقاها كان ما كان وتروح ضائعة ولم يكن مع كان ما كان ما يضرب به ولم يزل صباح يضرب بالسيف حتى كلت يده وعرف كان ما كان ضعف قوته وانحلال عزيمته فهجم عليه وهزه وألقاه في الأرض وكتفه بحبائل سيفه وجره من رجليه إلى جهة النهر. فقال صباح :
ما تريد أن تصنع بي يا فارس الزمان وبطل الميدان ?
قال :
ألم أقل لك أنني أرسلك إلى قومك في النهر حتى لا يشغل خاطرهم عليك وتتعوق عن عرس بنت عمك .
فتضجر صباح وبكى وصاح وقال :
لا تفعل بي يا فارس الزمان واجعلني لك من بعض الغلمان .
ثم أفاض دمع العينين وأنشد هذين البيتين :
تغربت عن أهلي فيا طول غربتي ........ ويا ليت شعري هل أموت غريبا
أموت وأهلي ليس تعرف مقتلـي ........ وأودي غريباً لا أزور حـبـيبـا
فرحمه كان ما كان ، وأطلقه بعد أن أخذ عليه العهود والمواثيق أنه يصحبه في الطريق ويكون له نعم الرفيق ، ثم إن صباحاً أراد أن يقبل يد كان ما كان فمنعه من تقبيلها ، ثم قام البدوي إلى جرابه وفتحه وأخذ منه ثلاث قرصات شعير وحطها قدام كان ما كان وجلس معه على شاطئ النهر وأكلا مع بعضهما ، ثم توضأ وصليا وجلسا يتحدثان فيم ألقياه من صروف هذا الزمان .
فقال كان ما كان للبدوي :
أين تقصد ?
فقال صباح :
أقصد بغداد بلدك ، وأقيم بها حتى يرزقني الله بالصداق .
فقال له :
دونك والطريق .
ثم ودعه البدوي وتوجه في طريق بغداد وأقام كان ما كان وقال في نفسه :
يا نفسي أي وجه للرجوع مع الفقر والفاقة والله لا أرجع خائباً ولابد لي من الفرج إن شاء الله تعالى .
ثم تقدم إلى النهر وتوضأ وصلى ، فلما سجد ووضع جبهته على التراب ونادى به ربه قائلاً :
اللهم منزل القطر ورازق الدود في الصخر أسألك أن ترزقني بقدرتك ولطيف رحمتك ثم سلم من صلاته وضاق به كل مسلك .
فبينما هو جالس يلتفت يميناً وشمالاً وإذا بفارس أقبل على جواد ، وقد اقتعد ظهره وأرخى عنانه فاستوى كان ما كان جالساً وبعد ساعة وصل إليه الفارس وهو في آخر نفس لأنه كان به جرح بالغ ، فلما وصل إليه جرى دمعه على خده مثل أفواه القرب وقال لكان ما كان :
يا وجه العرب اتخذني ما عشت لك صديقاً فإنك لا تجد مثلي واسقني قليلاً من الماء ، وإن كان شرب الماء لا يصلح للجروح لاسيما وقت خروج الروح وإن عشت أعطيتك ما يدفع فقرك وإن مت فأنت المسعود بحسن نيتك .
وكان تحت الفارس حصان يتحير في حسنه الإنسان ويكل عن وصفه اللسان وله قوائم مثل أعمدة الرخام معد ليوم الحرب والزحام ، فلما نظر كان ما كان إلى ذلك الحصان أخذه الهيام وقال في نفسه :
إن هذا الحصان لا يكون في هذا الزمان .
ثم أنه أنزل الفارس ورفق به وجرعه يسيراً من الماء ثم صبر عليه حتى أخذ الراحة وأقبل عليه وقال له :
من الذي فعل بك هذه الفعال ?
فقال الفارس :
أنا أخبرك بحقيقة الحال ، إني رجل سلال غيار طول دهري أسل الخيل وأختلسها في الليل والنهار واسمي غصان آفة كل فرس وحصان وقد سمعت بهذا الحصان في بلاد الروم عند الملك أفريدون وقد سماه بالقانون ولقبه بالمجنون وقد سافرت إلى القسطنطينية من أجله وصرت أراقبه فبينما أنا كذلك إذ خرجت عجوز معظمة عند الروم وأمرها عندهم في الخداع متناهي تسمى شواهي ذات الدواهي ، ومعها هذا الجواد وصحبتها عشرة عبيد لا غير برسم خدمة هذا الحصان وهي تقصد بغداد تريد الدخول على الملك سلسان لتطلب منه الصلح والأمان ، فخرجت في أثرهم طمعاً في الحصان وما زلت أتابعهم ، ولا أتمكن من الوصول إليه لأن العبيد شداد الحرس عليه إلى أن أتوا تلك البلاد وخفت أن يدخلوا مدينة بغداد ، فبينما أنا أشاور نفسي في سرقة الحصان إذ طلع عليهم غبار حتى سد الأقطار ثم انكشف الغبار عن خمسين فارساً مجتمعين لقطع الطريق على التجار ورئيسهم يقال لهم كهرداش ولكنه في الحرب كأسد يجعل الأبطال كالفراش .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
تكملة حكاية الملك عمر النعمان وولديه شركان وضوء المكان
الليلة الحادية والسبعين بعد المئة
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن الفارس المجروح قال لكان ما كان :
فخرج على العجوز ومن معها كهرداش ثم أحاط بهم وهاش وناش فلم تمض ساعة حتى ربط العشرة عبيد والعجوز وتسلم الحصان وسار بهم وهو فرحان فقلت في نفسي :
قد ضاع تعبي وبلغت أربي ثم صبرت حتى أنظر ما يؤول الأمر إليه .
فلما رأت العجوز روحها في الأسر بكت وقالت لكهرداش :
أيها الفارس الهمام والبطل الضرغام ماذا تصنع بالعجوز والعبيد وقد بلغت من الحصان ما تريد ?
وخادعته بلين الكلام ، وحلفت أنها تسوق له الخيل والأنعام فأطلقها هي والعبيد ، ثم سار هو والعبيد وأصحابه وتبعتهم حتى وصلت إلى هذه الديار وأنا ألاحظه .
فلما وجدت إليه سبيلاً سرقته وركبته ، وأخرجت من مخلاتي سوطاً فضربته ، فلما أحسوا بي لحقوني وأحاطوا بي من كل مكان ورموني بالسهام والسنان وأنا ثابت عليه وهو يقاتل عني بيديه ورجليه إلى أن خرج بي من بينهم مثل النجم الطارق والسهم الراشق ، ولكن لما اشتد الكفاح أصابتني بعض الجراح وقد مضى لي على ظهره ثلاثة أيام ولم أستطعم بطعام وقد ضعفت مني القوى وهانت علي الدنيا أحسنت إلي وأشفقت علي وأراك عاري الجسد ظاهر عليك الكمد ، ويلوح عليك أثر النعمة فما يقال لك ?.
فقال كان ما كان :
أنا يقال لي كان ما كان ابن الملك ضوء المكان بن الملك عمر النعمان قد مات والدي وربيت يتيماً وتولى رجل لئيم وصار ملكاً على الحقير والعظيم ثم حدثه بحديثه من أوله إلى آخره .
فقال الرجل السلال وقد رق له :
إنك ذو حسب عظيم وشرف جسيم وليس لك شأن وتصير أفرس هذا الزمان فإن قدرت أن تحملني وتركب ورائي وتوديني إلى بلادي يكن لك الشرف في الدنيا والجر في يوم التناد فإنه لم يبق لي قوة أمسك بها نفسي وإن أمت في الطريق فزت بهذا الحصان وأنت أولى به من كل إنسان .
فقال له كان ما كان :
والله لو قدرت أن أحملك على أكتافي لفعلت ولو كان عمري بيدي لأعطيتك نصفه من غير هذا الجواد لأني من أهل المعروف وإغاثة الملهوف وفعل الخير لوجه الله تعالى يسد سبعين باباً من البلاء .
وعزم على أن يمله على الحصان ويسير متوكلاً على اللطيف الخبير ، فقال له :
اصبر علي قليلاً .
ثم أغمض عينيه وفتح يديه وقال :
أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله .
وتهيأ للممات وأنشد هذه الأبيات :
ظلمت العباد وطفـت الـبـلاد ........ وأمضيت عمري بشرب الخمور
وخضت السيول لسل الـخـيول ........ وهدم الطلول بفعل الـنـكـور
وأمري عظيم وجرمي جـسـيم ........ وفاتول منـي تـمـام الأمـور
وأملت أنـي أنـال الـمـنـى ........ بذاك الحصان فأعيا مـسـيري
وطول الحـياة أسل الـخـيول ........ فكانت وفاتي عـنـد الـغـدير
وآخر أمـري أنـي تـعـبـت ........ لرزق الغري اليتيم الـفـقـير
فلما فرغ من شعره أغمض عينيه وفتح فاه وشهق شهقة ففارق الدنيا فحفر له كان ما كان حفرة وواراه التراب ، ثم مسح وجه الحصان ورآه لا يوجد في حوزة الملك سلسان ، ثم أتته الأخبار من التجار بجميع ما جرى في غيبته بين الملك سلسان والوزير دندان خرج عن طاعة الملك سلسان هو ونصف العسكر وحلفوا أنهم ما لهم سلطان إلا كان ما كان واستوثق منهم بالأيمان ودخل بهم إلى جزائر الهند والبربر وبلاد السودان واجتمع معهم عساكر مثل البحر الزاخر لا يعرف لهم أول من آخر وعزم على أن يرجع بجميع الجيوش إلى البلاد ويقتل من يخالفه من العباد وأقسم أنه لا يرد سيف الحرب إلى غمده حتى يملك كان ما كان .
فلما بلغته هذه الأخبار غرق في بحر الأفكار ، ثم إن الملك سلسان علم أن الدولة انحرفت عليه الكبار والصغار فغرق في بحر الهموم والأكدار وفتح الخزائن وفرق على أرباب الدولة الأموال والنعم وتمنى أن يقدم عليه كان ما كان ويجذب قلبه إليه بالملاطفة والإحسان ويجعله أميراً على العساكر الذين لم يزالوا تحت طاعته لتقوى به شرارة جمرته ، ثم إن كان ما كان لما بلغه ذلك الخبر من التجار رجع مسرعاً إلى بغداد على ظهر ذلك الجواد .
فبينما الملك سلسان في ربكته حيران إذ سمع بقدوم كان ما كان فأخرج جميع العساكر ووجهاء بغداد ولاقوه ومشوا قدامه إلى القصر ودخلت الطواشية بالأخبار إلى أمه فجاءت إليه وقبلته بين عينيه ، فقال :
يا أماهد عيني أمضي إلى عمي السلطان سلسان الذي غمرني بالنعمة والإحسان . ثم إن أرباب الدولة تحيروا في وصف ذلك الحصان وفي وصف صاحبه سيد الفرسان وقالوا للملك سلسان :
أيها الملك إننا ما رأينا مثل هذا الإنسان .
ثم ذهب الملك سلسان وسلم عليه .
فلما رآه كان ما كان مقبلاً عليه قام إليه وقبل يديه ورجليه وقدم إليه الحصان هدية فرحب به وقال :
أهلاً وسهلاً بولدي كان ما كان ، والله لقد ضاقت بي الأرض لأجل غيبتك والحمد لله على سلامتك .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
تكملة حكاية الملك عمر النعمان وولديه شركان وضوء المكان
الليلة الثانية والسبعين بعد المئة
قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن الملك سلسان قال لكان ما كان :
أهلاً وسهلاً بولدي كان ما كان والله لقد ضاقت بي الأرض لجل غيبتك والحمد لله على سلامتك .
ثم نظر السلطان إلى هذا الحصان المسمى القانون ، فعرف أنه الحصان الذي رآه سنة كذا وكذا في حصار عبدة الصلبان مع أبيه ضوء المكان حين قتل عمه شركان وقال له :
لو قدر عليه أبوك لاشتراه بألف جواد ولكن الآن عاد العز إلى أهله وقد قبلناه ومنا لك وهبناه وأنت أحق به من كل إنسان لأنك سيد الفرسان .
ثم أمر أن يحضر لكان ما كان خلعة سنية وجملة من الخيل وأفرد له في القصر أكبر الدور وأقبل عليه العز والسرور ، وأعطاه مالاً جزيلاً وأكرمه غاية الإكرام لأنه كان يخشى عاقبة الوزير دندان ففرح بذلك كان ما كان وذهب عنه الذل والهوان ودخل بيته وأقبل على أمه وقال :
يا أمي ما حال ابنة عمي .
فقالت :
والله يا ولدي انه كان عندي من غيبتك ما شغلني عن محبوبتك .
فقال :
يا أمي اذهبي إليها وأبلي عليها لعلها تجود علي بنظرة .
فقالت له :
إن المطامع تذل أعناق الرجال فدع عنك هذا المقال لئلا يقضي بك إلى الوبال فأنا أذهب إليها ولا أدخل بهذا الكلام عليها .
فلما سمع من أمه ذلك أخبرها بما قاله السلال من أن العجوز ذات الدواهي طرقت البلاد وعزمت على أن تدخل بغداد وقال :
هي التي قتلت عمي وجدي ولا بد أن أكشف العار وآخذ بالثأر .
ثم ترك أمه وأقبل على عجوز عاهرة محتالة ماكرة اسمها سعدانة وشكا إليها حاله وما تجده من حب قضي فكان وسألها أن تتوجه العجوز إليها وتستعطفها عليه ، فقالت له العجوز :
سمعاً وطاعة .
ثم فارقته ومضت إلى قصر قضي فكان واستعطفت قلبها عليه ، ثم رجعت إليه وأعلمته بأن قضي فكان تسلم عليه ووعدتها أنها في نصف الليل تجيء إليه .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
انواع عرض الموضوع |
![]() |
![]() |
![]() |