الشرائع ..:: جديد ::..

اكملي الله يطول بعمرك قصص رائع مع اني لم اجد الكتاب لانهو ممنوع من البيع في المملكه

مون فايس ..:: مشرفه دليل المطبخ والتغذيه ::..



تكملة حكاية الملك عمر النعمان وولديه شركان وضوء المكان

الليلة السبعين بعد المئة


قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن الملك سلسان وصل إليه خبر كان ما كان من الكبار وقال :
إنه ولد ملكنا ومن ذرية الملك عمر النعمان وقد بلغنا أنه تغرب عن الأوطان .
فلما سمع الملك سلسان هذا الكلام اغتاظ غيظاً شديداً وتذكر إحسان أبيه إليه وانه أوصاه عليه فحزن على كان ما كان وقال :
لابد من التفتيش عليه في سائر البلاد ثم بعث في طلبه الأمير تركاش في مائة فارس فغاب عشرة أيام ثم رجع وقال له :
ما اطلعت له على خبر ولا وقفت له على أثر .
فحزن عليه الملك سلسان حزناً شديداً ، وأما أمه فإنها صارت لا يقر لها قرار ولا يطاوعها اصطبار وقد مضى له عشرون يوماً .
هذا ما كان من أمر هؤلاء .
و أما ما كان من أمر كان ما كان فإنه لما خرج من بغداد صار متحيراً في أمره ولم يدر إلى أين يتوجه ، ثم إنه سافر في البر ثلاثة أيام وحده ولم ير راجلاً ولا فارساً فطار رقاده وزاد سهاده وتفكر أهله وبلاده وصار يتقوت من نبات الأرض ويشرب من أنهارها ويقبل وقت الحر تحت أشجارها ، ثم خرج من تلك الطريق إلى طريق أخرى وسار فيها ثلاثة أيام ، وفي اليوم الرابع أشرف على أرض معشبة الفلوات مليحة النبات وهذه الأرض قد شربت من كؤوس الغمام على أصوات القمري والحمام فاخضرت رباها وطاب فلاها فتذكر كان ما كان بلاد أبيه فأنشد من فرط ما هو فيه :
خرجت وفي أملي عودة ........ ولكني لست أدري متى
وشردني أنني لـم أجـد ........ سبيلاً إلى دفع ما قد أتى
فلما فرغ من شعره أكل من ذلك النبات وتوضأ وصلى ما كان عليه من الفريضة وجلس يستريح ومكث طول ذلك النهار ، فلما جاء الليل نام واستمر نائماً إلى نصف الليل ثم انتبه فسمع صوت إنسان ينشد هذه الأبيات :
ما العيش إلا أن يرى لك بارق ........ من ثغر من تهوى ووجه رائق
والموت أسهل من صدود حبيبة ........ لم يغشني منها خـيال طـارق
يا فرحة الندماء حيث تجمعـوا ........ وأقام معشوق هناك وعاشـق
لا سيما وقت الربـيع وزهـره ........ طاب الزمان بما إليه تسابـق
يا شارب الصهباء دونك ما ترى ........ أرض مزخرفة ومـاء دافـق
فلما سمع كان ما كان هذه الأبيات هاجت به الأشجان وجرت دموعه على خده كالغدران وانطلقت من قلبه النيران فقام ينظر قائل هذا الكلام فلم ير أحداً في جنح الظلام فأخذه القلق ونزل في مكانه إلى أسفل الوادي ومشى على شاطئ النهر فسمع صاحب الصوت يصعد الزفرات وينشد هذه الأبيات :
إن كنت تضمر ما في الحب إشفاقاً ........ فأطلق الدمع يوم البين إطـلاقـا
بيني وبين أحبائي عـهـود هوى ........ لذا إليهم أظل الدهر مـشـتـاقـا
يرتاح قلبي إلى تيم ويطـربـنـي ........ نسيم تيم إذا مـا هـب أشـواقـا
يا سعد هل ربة الخلخال تذكرنـي ........ بعد البعاد لنا عـهـداً ومـيثـاقـا
وهل تعود ليالي الوصل تجمعـنا ........ يوماً ويشرح كل بعضٍ ما لاقـى
قالت فتنت بنا وجدا فقلـت لـها ........ كم قد فتنت رعاك الله عـشـاقـا
لا متع الله طرفي في محاسنـها ........ إن كان من بعدها طيب الكرى ذاقا
يا لسعة في فؤادي ما رأيت لـها ........ سوى الوصال ورشف الثغر ترياقا
فلما سمع كان ما كان هذه الأشعار من صاحب الصوت ثاني مرة ولم ير شخصه عرف أن القائل عاشق منع من الوصول إلى من يحبه فقال في نفسه :
لعلي اجتمع بهذا فيشكو كل واحد لصاحبه وأجعله أنيسي في غيبتي .
ثم تنحنح ونادى :
أيها السائر في الليل العاكر تقرب مني وقص علي لعلك تجدني معيناً لك على بليتك .
فلما سمع صاحب الصوت هذا الكلام أجابه قائلاً :
أيها المنادي السامع لإنشادي من تكون من الفرسان وهل أنت من الأنس أو الجان ? فعجل علي بكلامك قبل دنو حمامك وامش .
فقال كان ما كان :
لا تفعل يا أخا العرب لأن أهلي لا يشتروني بفضة ولا ذهب وأنا رجل فقر ولا معي قليل ولا كثير فدع عنك هذه الأخلاق واتخذني من الرفاق واخرج بنا من أرض العراق .
فلما سمع صاحب الصوت هذا الكلام وكان اسمه صباح غضب وزاد به الالتهاب وقال له :
ويلك تراددني في الجواب يا أخس الكلاب ، أدر كتافك وإلا أنزلت عليك العذاب .
فتبسم كان ما كان وقال :
كيف أدير الكتاف ، أما عندك أوصاف ? أما تخشى معايرة العربان حيث تأسر غلاماً بالذل والهوان وما اختبرته في حومة الميدان وعلمت أهو فارس أم جبان ?.
فضحك صباح وقال :
يا الله العجب إنك في سن الغلام ولكنك كبير الكلام لأن هذا القول لا يصدر إلا عن البطل المصدام .
فقال كان ما كان :
الإنصاف أنك إذا شئت أخذي أسيراً خادماً لك أن ترمي سلاحك وتخفف لباسك وتصارعني وكل من صرع صاحبه بلغ منه مرامه وجعله غلامه .
فضحك صباح وقال :
ما أظن كثرة كلامك إلا لدنو حمامك .
ثم رمى سلاحه وشمر أذياله ودنا من كان ما كان وتجاذبا فوجده البدوي يرجح عليه كما يرجح للقنطار على الدينار ، ونظر إلى ثبات رجليه في الأرض فوجدهما كالمأذنتين المؤسستين أو الجبلين الراسخين فعرف في نفسه قصر باعه وندم على الدنو من صراعه وقال في نفسه :
ليتني قاتلته بسلاحي .
ثم إن كان ما كان قبضه وتمكن منه وهزه فأحس أن أمعاءه تقطعت في بطنه .
فصاح :
أمسك يدك يا غلام .
فلم يلتفت إلى ما أبداه من الكلام بل حمله من الأرض وقصد به النهر فناداه صباح قائلاً :
أيها البطل ما تريد أن تفعل بي .
قال :
أريد أن أرميك في هذا النهر فإنه يوصلك إلى دجلة ، والدجلة يوصلك إلى نهر عيسى ونهر عيسى يوصلك إلى الفرات والفرات يلقيك إلى بلادك فيراك قومك فيعرفونك ويعرفون مروءتك وصدق محبتك .
فصاح صباح ونادى :
يا فارس البطاح لا تفعل فعل القباح أطلقني بحياة بنت عمك سيدة الملاح .
فحطه كان ما كان في الأرض فلما رأى نفسه خالصاً ذهب إلى ترسه وسيفه وأخذهما وصار يشاور نفسه على الهجوم عليه فعرف كان ما كان ما يشاور نفسه عليه فقال له :
قد عرفت ما في قلبك حيث أخذت سيفك وترسك فإنه قد خطر ببالي أنه ليس لك يد في الصراع تطول ، ولو كنت على فرس تجول لكنت بسيفك تصول وهاأنا أبلغك ما تختار حتى لا يبقى في قلبك إنكار فأعطني الترس واهجم علي بالسيف فإما تقتلني أو أقتلك .
فرمى الترس وجرد سيفه وهجم به على كان ما كان فتناول الترس بيمينه وصار يلاقي به عن نفسه وصار صباح يضربه ويقول :
ما بقي إلا هذه الضربة الفاصلة .
فيتلقاها كان ما كان وتروح ضائعة ولم يكن مع كان ما كان ما يضرب به ولم يزل صباح يضرب بالسيف حتى كلت يده وعرف كان ما كان ضعف قوته وانحلال عزيمته فهجم عليه وهزه وألقاه في الأرض وكتفه بحبائل سيفه وجره من رجليه إلى جهة النهر. فقال صباح :
ما تريد أن تصنع بي يا فارس الزمان وبطل الميدان ?
قال :
ألم أقل لك أنني أرسلك إلى قومك في النهر حتى لا يشغل خاطرهم عليك وتتعوق عن عرس بنت عمك .
فتضجر صباح وبكى وصاح وقال :
لا تفعل بي يا فارس الزمان واجعلني لك من بعض الغلمان .
ثم أفاض دمع العينين وأنشد هذين البيتين :
تغربت عن أهلي فيا طول غربتي ........ ويا ليت شعري هل أموت غريبا
أموت وأهلي ليس تعرف مقتلـي ........ وأودي غريباً لا أزور حـبـيبـا
فرحمه كان ما كان ، وأطلقه بعد أن أخذ عليه العهود والمواثيق أنه يصحبه في الطريق ويكون له نعم الرفيق ، ثم إن صباحاً أراد أن يقبل يد كان ما كان فمنعه من تقبيلها ، ثم قام البدوي إلى جرابه وفتحه وأخذ منه ثلاث قرصات شعير وحطها قدام كان ما كان وجلس معه على شاطئ النهر وأكلا مع بعضهما ، ثم توضأ وصليا وجلسا يتحدثان فيم ألقياه من صروف هذا الزمان .
فقال كان ما كان للبدوي :
أين تقصد ?
فقال صباح :
أقصد بغداد بلدك ، وأقيم بها حتى يرزقني الله بالصداق .
فقال له :
دونك والطريق .
ثم ودعه البدوي وتوجه في طريق بغداد وأقام كان ما كان وقال في نفسه :
يا نفسي أي وجه للرجوع مع الفقر والفاقة والله لا أرجع خائباً ولابد لي من الفرج إن شاء الله تعالى .
ثم تقدم إلى النهر وتوضأ وصلى ، فلما سجد ووضع جبهته على التراب ونادى به ربه قائلاً :
اللهم منزل القطر ورازق الدود في الصخر أسألك أن ترزقني بقدرتك ولطيف رحمتك ثم سلم من صلاته وضاق به كل مسلك .
فبينما هو جالس يلتفت يميناً وشمالاً وإذا بفارس أقبل على جواد ، وقد اقتعد ظهره وأرخى عنانه فاستوى كان ما كان جالساً وبعد ساعة وصل إليه الفارس وهو في آخر نفس لأنه كان به جرح بالغ ، فلما وصل إليه جرى دمعه على خده مثل أفواه القرب وقال لكان ما كان :
يا وجه العرب اتخذني ما عشت لك صديقاً فإنك لا تجد مثلي واسقني قليلاً من الماء ، وإن كان شرب الماء لا يصلح للجروح لاسيما وقت خروج الروح وإن عشت أعطيتك ما يدفع فقرك وإن مت فأنت المسعود بحسن نيتك .
وكان تحت الفارس حصان يتحير في حسنه الإنسان ويكل عن وصفه اللسان وله قوائم مثل أعمدة الرخام معد ليوم الحرب والزحام ، فلما نظر كان ما كان إلى ذلك الحصان أخذه الهيام وقال في نفسه :
إن هذا الحصان لا يكون في هذا الزمان .
ثم أنه أنزل الفارس ورفق به وجرعه يسيراً من الماء ثم صبر عليه حتى أخذ الراحة وأقبل عليه وقال له :
من الذي فعل بك هذه الفعال ?
فقال الفارس :
أنا أخبرك بحقيقة الحال ، إني رجل سلال غيار طول دهري أسل الخيل وأختلسها في الليل والنهار واسمي غصان آفة كل فرس وحصان وقد سمعت بهذا الحصان في بلاد الروم عند الملك أفريدون وقد سماه بالقانون ولقبه بالمجنون وقد سافرت إلى القسطنطينية من أجله وصرت أراقبه فبينما أنا كذلك إذ خرجت عجوز معظمة عند الروم وأمرها عندهم في الخداع متناهي تسمى شواهي ذات الدواهي ، ومعها هذا الجواد وصحبتها عشرة عبيد لا غير برسم خدمة هذا الحصان وهي تقصد بغداد تريد الدخول على الملك سلسان لتطلب منه الصلح والأمان ، فخرجت في أثرهم طمعاً في الحصان وما زلت أتابعهم ، ولا أتمكن من الوصول إليه لأن العبيد شداد الحرس عليه إلى أن أتوا تلك البلاد وخفت أن يدخلوا مدينة بغداد ، فبينما أنا أشاور نفسي في سرقة الحصان إذ طلع عليهم غبار حتى سد الأقطار ثم انكشف الغبار عن خمسين فارساً مجتمعين لقطع الطريق على التجار ورئيسهم يقال لهم كهرداش ولكنه في الحرب كأسد يجعل الأبطال كالفراش .



وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .

مون فايس ..:: مشرفه دليل المطبخ والتغذيه ::..



تكملة حكاية الملك عمر النعمان وولديه شركان وضوء المكان

الليلة الحادية والسبعين بعد المئة


قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن الفارس المجروح قال لكان ما كان :
فخرج على العجوز ومن معها كهرداش ثم أحاط بهم وهاش وناش فلم تمض ساعة حتى ربط العشرة عبيد والعجوز وتسلم الحصان وسار بهم وهو فرحان فقلت في نفسي :
قد ضاع تعبي وبلغت أربي ثم صبرت حتى أنظر ما يؤول الأمر إليه .
فلما رأت العجوز روحها في الأسر بكت وقالت لكهرداش :
أيها الفارس الهمام والبطل الضرغام ماذا تصنع بالعجوز والعبيد وقد بلغت من الحصان ما تريد ?
وخادعته بلين الكلام ، وحلفت أنها تسوق له الخيل والأنعام فأطلقها هي والعبيد ، ثم سار هو والعبيد وأصحابه وتبعتهم حتى وصلت إلى هذه الديار وأنا ألاحظه .
فلما وجدت إليه سبيلاً سرقته وركبته ، وأخرجت من مخلاتي سوطاً فضربته ، فلما أحسوا بي لحقوني وأحاطوا بي من كل مكان ورموني بالسهام والسنان وأنا ثابت عليه وهو يقاتل عني بيديه ورجليه إلى أن خرج بي من بينهم مثل النجم الطارق والسهم الراشق ، ولكن لما اشتد الكفاح أصابتني بعض الجراح وقد مضى لي على ظهره ثلاثة أيام ولم أستطعم بطعام وقد ضعفت مني القوى وهانت علي الدنيا أحسنت إلي وأشفقت علي وأراك عاري الجسد ظاهر عليك الكمد ، ويلوح عليك أثر النعمة فما يقال لك ?.
فقال كان ما كان :
أنا يقال لي كان ما كان ابن الملك ضوء المكان بن الملك عمر النعمان قد مات والدي وربيت يتيماً وتولى رجل لئيم وصار ملكاً على الحقير والعظيم ثم حدثه بحديثه من أوله إلى آخره .
فقال الرجل السلال وقد رق له :
إنك ذو حسب عظيم وشرف جسيم وليس لك شأن وتصير أفرس هذا الزمان فإن قدرت أن تحملني وتركب ورائي وتوديني إلى بلادي يكن لك الشرف في الدنيا والجر في يوم التناد فإنه لم يبق لي قوة أمسك بها نفسي وإن أمت في الطريق فزت بهذا الحصان وأنت أولى به من كل إنسان .
فقال له كان ما كان :
والله لو قدرت أن أحملك على أكتافي لفعلت ولو كان عمري بيدي لأعطيتك نصفه من غير هذا الجواد لأني من أهل المعروف وإغاثة الملهوف وفعل الخير لوجه الله تعالى يسد سبعين باباً من البلاء .
وعزم على أن يمله على الحصان ويسير متوكلاً على اللطيف الخبير ، فقال له :
اصبر علي قليلاً .
ثم أغمض عينيه وفتح يديه وقال :
أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله .
وتهيأ للممات وأنشد هذه الأبيات :
ظلمت العباد وطفـت الـبـلاد ........ وأمضيت عمري بشرب الخمور
وخضت السيول لسل الـخـيول ........ وهدم الطلول بفعل الـنـكـور
وأمري عظيم وجرمي جـسـيم ........ وفاتول منـي تـمـام الأمـور
وأملت أنـي أنـال الـمـنـى ........ بذاك الحصان فأعيا مـسـيري
وطول الحـياة أسل الـخـيول ........ فكانت وفاتي عـنـد الـغـدير
وآخر أمـري أنـي تـعـبـت ........ لرزق الغري اليتيم الـفـقـير
فلما فرغ من شعره أغمض عينيه وفتح فاه وشهق شهقة ففارق الدنيا فحفر له كان ما كان حفرة وواراه التراب ، ثم مسح وجه الحصان ورآه لا يوجد في حوزة الملك سلسان ، ثم أتته الأخبار من التجار بجميع ما جرى في غيبته بين الملك سلسان والوزير دندان خرج عن طاعة الملك سلسان هو ونصف العسكر وحلفوا أنهم ما لهم سلطان إلا كان ما كان واستوثق منهم بالأيمان ودخل بهم إلى جزائر الهند والبربر وبلاد السودان واجتمع معهم عساكر مثل البحر الزاخر لا يعرف لهم أول من آخر وعزم على أن يرجع بجميع الجيوش إلى البلاد ويقتل من يخالفه من العباد وأقسم أنه لا يرد سيف الحرب إلى غمده حتى يملك كان ما كان .
فلما بلغته هذه الأخبار غرق في بحر الأفكار ، ثم إن الملك سلسان علم أن الدولة انحرفت عليه الكبار والصغار فغرق في بحر الهموم والأكدار وفتح الخزائن وفرق على أرباب الدولة الأموال والنعم وتمنى أن يقدم عليه كان ما كان ويجذب قلبه إليه بالملاطفة والإحسان ويجعله أميراً على العساكر الذين لم يزالوا تحت طاعته لتقوى به شرارة جمرته ، ثم إن كان ما كان لما بلغه ذلك الخبر من التجار رجع مسرعاً إلى بغداد على ظهر ذلك الجواد .
فبينما الملك سلسان في ربكته حيران إذ سمع بقدوم كان ما كان فأخرج جميع العساكر ووجهاء بغداد ولاقوه ومشوا قدامه إلى القصر ودخلت الطواشية بالأخبار إلى أمه فجاءت إليه وقبلته بين عينيه ، فقال :
يا أماهد عيني أمضي إلى عمي السلطان سلسان الذي غمرني بالنعمة والإحسان . ثم إن أرباب الدولة تحيروا في وصف ذلك الحصان وفي وصف صاحبه سيد الفرسان وقالوا للملك سلسان :
أيها الملك إننا ما رأينا مثل هذا الإنسان .
ثم ذهب الملك سلسان وسلم عليه .
فلما رآه كان ما كان مقبلاً عليه قام إليه وقبل يديه ورجليه وقدم إليه الحصان هدية فرحب به وقال :
أهلاً وسهلاً بولدي كان ما كان ، والله لقد ضاقت بي الأرض لأجل غيبتك والحمد لله على سلامتك .



وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .

مون فايس ..:: مشرفه دليل المطبخ والتغذيه ::..



تكملة حكاية الملك عمر النعمان وولديه شركان وضوء المكان

الليلة الثانية والسبعين بعد المئة


قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن الملك سلسان قال لكان ما كان :
أهلاً وسهلاً بولدي كان ما كان والله لقد ضاقت بي الأرض لجل غيبتك والحمد لله على سلامتك .
ثم نظر السلطان إلى هذا الحصان المسمى القانون ، فعرف أنه الحصان الذي رآه سنة كذا وكذا في حصار عبدة الصلبان مع أبيه ضوء المكان حين قتل عمه شركان وقال له :
لو قدر عليه أبوك لاشتراه بألف جواد ولكن الآن عاد العز إلى أهله وقد قبلناه ومنا لك وهبناه وأنت أحق به من كل إنسان لأنك سيد الفرسان .
ثم أمر أن يحضر لكان ما كان خلعة سنية وجملة من الخيل وأفرد له في القصر أكبر الدور وأقبل عليه العز والسرور ، وأعطاه مالاً جزيلاً وأكرمه غاية الإكرام لأنه كان يخشى عاقبة الوزير دندان ففرح بذلك كان ما كان وذهب عنه الذل والهوان ودخل بيته وأقبل على أمه وقال :
يا أمي ما حال ابنة عمي .
فقالت :
والله يا ولدي انه كان عندي من غيبتك ما شغلني عن محبوبتك .
فقال :
يا أمي اذهبي إليها وأبلي عليها لعلها تجود علي بنظرة .
فقالت له :
إن المطامع تذل أعناق الرجال فدع عنك هذا المقال لئلا يقضي بك إلى الوبال فأنا أذهب إليها ولا أدخل بهذا الكلام عليها .
فلما سمع من أمه ذلك أخبرها بما قاله السلال من أن العجوز ذات الدواهي طرقت البلاد وعزمت على أن تدخل بغداد وقال :
هي التي قتلت عمي وجدي ولا بد أن أكشف العار وآخذ بالثأر .
ثم ترك أمه وأقبل على عجوز عاهرة محتالة ماكرة اسمها سعدانة وشكا إليها حاله وما تجده من حب قضي فكان وسألها أن تتوجه العجوز إليها وتستعطفها عليه ، فقالت له العجوز :
سمعاً وطاعة .
ثم فارقته ومضت إلى قصر قضي فكان واستعطفت قلبها عليه ، ثم رجعت إليه وأعلمته بأن قضي فكان تسلم عليه ووعدتها أنها في نصف الليل تجيء إليه .



وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .

مون فايس ..:: مشرفه دليل المطبخ والتغذيه ::..




تكملة حكاية الملك عمر النعمان وولديه شركان وضوء المكان

الليلة الثالثة والسبعين بعد المئة

قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن العجوز قالت لكان ما كان بأنها ستجيء إليك في نصف الليل ففرح لوعد ابنة عمه قضي فكان ، فلما جاء نصف الليل أتته بملاءة سوداء من الحرير ودخلت عليه ونبهته من نومه وقالت له :
كيف تدعي أنك تحبني وأنت خلي البال نائم على أحسن حال .
فانتبه وقال :
والله يا منية القلب أني ما نمت إلا طمعاً في أن يزورني منك طيف الخيال .
فعند ذلك عاتبته بعتاب لطيف الكلمات وأنشدت هذه الأبيات :
لو كنت تصدق في المحبة ........ ما جنحت إلى المـنـام
يا مدعي طـرق المحـبة ........ في المـودة والـغـرام
والله يا ابـن الـعـم مـا ........ رقدت عيون المستهـام
فاستحيا منها كان ما كان ، وتعانقا وتشاكيا ألم الفراق وعظيم الوجد والاشتياق ولم يزالا كذلك إلى أن بدت غرة الصباح وطلع الفجر ولاح فبكى كان ما كان بكاءً شديداً وصعد الزفرات وأنشد هذه الأبيات :
فيا زائري من بعد فـرط صـدوده ........ وفي الثغر منه الدر في نظم عقده
فقبلته ألـفـاً وعـانـقـت قـده ........ وبت وخدي لاصق تحـت خـده
إلى أن بدا نور الصباح فراعـنـا ........ كحد حسام لاح من جوف غمـده
فلما فرغ من شعره ودعته قضي فكان ورجعت إلى خدرها وأظهرت بعض الجواري على سرها فذهبت جارية منهن إلى الملك سلسان وأعلمته بالخبر فتوجه إلى قضي فكان وجرد عليها الحسام وأراد أن يضرب عنقها فدخلت عليه أمها نزهة الزمان ، وقالت له :
بالله لا تفعل بها ضرراً فإنك إن فعلت بها ضرراً يشيع الخبر بين الناس وتبقى معيرة عند ملوك الزمان وإن كان ما كان صاحب عرض ومروءة ولا يفعل أمراً يعاب عليه فاصبر ولا تعجل فإن أهل القصر وجميع بغداد قد شاع عندهم أن الوزير دندان ، قاد العسكر من جميع البلدان وجاء بهم ليملكوا كان ما كان .
فقال لها :
لابد أن أرميه في بلية بحيث لا أرض تقله ولا سماء تظلله وإني ما طيبت خاطره إلا لأجل أهل مملكتي ، لئلا يميلوا إليه وسوف ترين ما يكون .
ثم تركها وخرج يدير أمر مملكته .
هذا ما كان من أمر الملك سلسان .
وأما كان ما كان فإنه أقبل على أمه في ثاني يوم وقال لها :
يا أمي إني عزمت على شن الغارات وقطع الطرقات وسوق الخيل والنعم والعبيد والمماليك وإذا كثر مالي وحسن حالي خطبت قضي فكان من عمي سلسان .
فقالت :
يا ولدي إن أموال الناس غير سائبة ، لأن دونها ضرب الصفاح وطعن الرمح ورجالاً تقتنص الأسود وتصيد الفهود .
فقال لها كان ما كان :
هيهات أن أرجع عن عزيمتي إلا إذا بلغت منيتي .
ثم أرسل العجوز إلى قضي فكان ليعلمها أنه يريد السير حتى يحصل لها مهراً يصلح لها وقال للعجوز :
لابد أن تأتيني منها بالجواب .
فقالت له :
سمعاً وطاعة .
ثم ذهبت إليها ورجعت له بالجواب . وقالت له :
إنها في منتصف الليل تكون عندك .
فأقام سهران إلى نصف الليل من قلقه فلم يشعر إلا وهي داخلة عليه وتقول له :
روحي فداك من السهر .
فنهض لها قائماً وقال :
يا منية القلب روحي فداك من جميع الأسواء .
ثم أعلمها بما عزم عليه فبكت فقال لها :
لا تبكي يا بنت العم فأن الذي حكم علينا بالفراق أن يمن علينا بالتلاق والوفاق .
ثم إن كان ما كان أخذ في السفر ودخل على أمه وودعها ونزل من القصر ونقله بسيفه وتعمم وتلثم وركب جواده القانون ومشى في شوارع المدينة وهو كالبدر حتى وصل إلى باب بغداد وإذا برفيقه صباح بن رباح خارج من المدينة ، فلما رآه جرى في ركابه وحياه فرد عليه السلام فقال صباح :
يا أخي كيف صار لك هذا الجواد وهذا المال ، وأنا الآن لا أملك غير سيفي ?
فقال له كان ما كان :
لا يرجع الصياد بصيد إلا إلى قدر نيته وبعد فراقك بساعة حصلت لي السعادة وهل لك أن تأتي معي وتخلص النية في صحبتي ونسافر في تلك البرية ?
فقال :
ورب الكعبة ما بقيت أدعوك إلا مولاي .
ثم جرى قدام الجواد وسيفه على عاتقه وجرابه بين كتفيه ولم يزالا سائرين في البر أربعة أيام وهما يأكلان من صيد الغزلان ويشربان من ماء العيون وفي اليوم الخامس أشرفا على تلٍ عال تحته مراتع فيها إبل وغنم وبقر خيل قد ملأت الروابي والبطاح وأولادها الصغار تلعب حول المراح .
فلما رأى ذلك كان ما كان ، زادت به الأفراح وامتلأ صدره بالإنشراح وعول على القتال وأخذ النياق والجمال فقال لصباح :
انزل بنا على هذا المال الذي عن أهله وحيد ونقاتل دونه القريب والبعيد حتى يكون لنا في أخذه نصيب .
فقال صباح :
يا مولاي إن أصحابه خلق كثير وجم غفير وفيهم أبطال من فرسان ورجال وإن رمينا أرواحنا في هذا الخطب الجسيم فإننا نكون من هوله على خطر عظيم .
فضحك كان ما كان وعلم أنه جبان فتركه وانحدر من الرابية عازماً على شن الغارات وترنم بإنشاد هذه الأبيات :
وآل نعمان هم ذوو الهـمـم ........ والسادة الضاربون في القسم
قوم إذا ما الهياج قام لـهـم ........ قاموا بأسواقه علـى قـدم
تنام عين الفقـير بـينـهـم ........ ولا يرى قبح صور العـدم
وإنني أرتـجـي مـعـاونة ........ من مالك الملك بارئ النسم
ثم حمل على ذلك المال مثل الجمل الهائج وساق جميع الإبل والبقر والغنم والخيل قدامه فتبادرت إليه العبيد بالسيوف النقال والرماح الطوال وفي أولهم فارس تركي إلا أنه شديد الحرب والكفاح عارف بأعمال سمر القنا وبيض الصفاح فحمل على كان ما كان وقال له :
ويلك لو علمت لمن هذا المال ما فعلت هذه الفعال ، اعلم أن هذه الأموال للعصابة الرومية والفرقة الجركسية الذين ما فيهم إلا كل بطل عابس وهم مائة فارس قد خرجوا عن طاعة كل سلطان وقد سرق منهم حصان وحلفوا بان لا يرجعوا من هنا إلا به .
فلما سمع كان ما كان هذا الكلام صاح قائلاً :
هذا هو الحصان الذي تعنون وأنتم له طالبون وفي قتالي بسببه راغبون فبارزوني كلكم أجمعون وشانكم وما تريدون .
ثم صرخ بين أذني القانون فخرج عليهم مثل الغول وعطف على الفارس وطعنه فأخرج كلاه ومال على ثانٍ وثالث ورابع فأعدمهم الحياة فعند ذلك هابته العبيد فقال لهم :
يا بني الزواني سوقوا المال والخيول وإلا خضبت من دمائكم سناني .
فساقوا المال وأخذوا في الانطلاق وانحدر إليه صباح وأعلن بالصياح وزادت به الأفراح وإذا بغبار قد علا وطار حتى سد الأقطار وبان من تحته مائة فارس مثل الليوث العوابس .
فلما رآهم صباح فر إلى الرابية وترك البطاح وصار يتفرج على الكفاح ، وقال :
ما أنا بفارس إلا في اللعب والمزاح .
ثم إن المائة فارس داروا حول كان ما كان وأحاطوا به من كل مكان فتقدم إليه منهم وقال :
أين تذهب بهذا المال ?
فقال له كان ما كان :
دونك والقتال واعلم أن من دونه أسداً أروع وبطل صميدع وسيفاً أينما مال قطع .
فلما سمع الفارس ذلك الكلام التفت إليه فرآه فارساً كالأسد الضرغام إلا أن وجهه بدر التمام وكان ذلك الفارس رئيس المائة فارس واسمه كهرداش .
فلما رأى كان ما كان مع كمال فروسيته بديع المحاسن يشبه حسنه حسن معشوقة له يقال لها فاتن وكانت من أحسن النساء وجهاً قد أعطاها الله من الحسن والجمال وكرم الخصال ما يعجز عن وصفه اللسان ويشغل قلب كل إنسان وكانت فرسان القوم تخشى سطوتها وأبطال ذلك القطر تخاف هيبتها وحلفت أنها لا تتزوج إلا من يقهرها وكان كهرداش من جملة خطابها فقالت لأبيها :
ما يقربني إلا من يقهرني في الميدان وموقف الحرب والطعان .
فلما بلغ كهرداش هذا القول اختشى أن يقاتل جارية وخاف من العار فقال في بعض خواصه :
أنت كامل الخصال في الحسن والجمال فلو قاتلتها وكانت أقوى منك فإنك تغلبها لأنها إذا رأت حسنك وجمالك تنهزم قبالك حتى تملكها لأن النساء لهن غرض في الرجال ولا يخفى عنك هذا الحال .
فأبى كهرداش وامتنع من قتالها واستمر على امتناعه من القتال إلى أن جرت له مع كان ما كان هذه الأفعال فظن أنه محبوبته فاتن قد عشقته لما سمعت بحسنه وشجاعته فتقدم إلى كان ما كان وقال :
ويلك يا فاتن قد أتيت لتريني شجاعتك فانزلي عن جوادك حتى أتحدث معك فإني قد سقت هذه الأموال وقطعت الطريق على الفرسان والأبطال وكل هذا لحسنك وجمالك الذي ما له مثيل وتزوجيني حتى تخدمك بنات الملوك وتصيري ملكة هذه الأقطار .
فلما سمع كان ما كان هذا الكلام صارت نار غيظه في اضطرام وقال :
ويلك يا كلب الأعجام دع فاتناً وما بها ترتاب وتقدم إلى الطعن والضراب فعن قليل تبقى على التراب .
ثم صال وجال وطلب الحرب والنزال فلما نظر كهرداش إليه علم أنه فارس همام وبطل مصدام وتبين خطأ ظنه حيث لاح له عذار أخضر فوق خده كآس نبت خلال ورد أحمر وقال للذين معه :
ويلكم ليحمل واحد منكم عليه ويظهر له السيف البتار والرمح الخطار واعلموا أن قتال الجماعة للواحد عار ولو كان في سنان رمحه بشعلة نار .
فعند ذلك حمل عليه فارس تحته جواد أدهم بتحجيل وغرة كالدرهم يحير العقل والناظر كما قال فيه الشاعر :
قد جاءك المهر الذي نزل الوغى ........ جذلان يخلط أرضه بسـمـائه
وكأنما لطم الصبـاح جـبـينـه ........ واقتص منه فخاض في أحشائه
ثم إن الفارس حمل عليه كان ما كان وتجاولا في الحرب برهة من الزمان وتضاربا ضرباً يحير الأفكار ويغشي الأبصار فسبقه كان ما كان بضربة بطل شجاع قطعت منه العمامة والمغفر فمال عن جواده كأنه البعير إذا انحدر وحمل عليه الثاني والثالث والرابع والخامس ففعل بهم كالأول ، ثم حمل عليه الباقون وقد اشتد بهم القلق وزادت الحرق فما كان إلا ساعة التقطهم بسنان رمحه . فنظر كهرداش إلى هذا الحال فخاف من الإرتحال وعرف من نفسه أن عنده ثبات الجنان واعتقد أنه أوجد الأبطال والفرسان فقال لكان ما كان :
قد وهبت لك دمك ودم أصحابي فخذ من المال ما شئت واذهب إلى حال سبيلك فقد رحمتك لحسن شبابك والحياة أولى بك .
فقال له كان ما كان :
لا عدمت مروءة الكرام ولكن اترك عنك هذا الكلام وفز بنفسك ولا تخشى الملام ولا تطمع نفسك في رد الغنيمة واسلك لنجاة نفسك طريقة مستقيمة .
فعند ذلك اشتد بكهرداش الغضب وحصل عنده ما يوجب العطب فقال لكان ما كان :
ويلك لو عرفت من أنا ما نطقت بهذا الكلام في حومة الزحام فاسأل عني الأسد البطاش المعروف بكهرداش الذي نهب الملوك الكبار وقطع الطريق على جميع السفار وأخذ أموال التجار وهذا الحصان الذي تحتك طلبتي وأريد أن تعرفني كيف وصلت إليه حتى استوليت عليه .
فقال كان ما كان :
اعلم أن هذا الجواد كان سائراً إلى عمي الملك سلسان تحت عجوز كبيرة ولنا عندها ثأر من جهة جدي الملك عمر النعمان وعمي الملك شركان .
فقال كهرداش :
ويلك ومن أبوك لا أم لك .
فقال كان ما كان :
اعلم أني كان ما كان ابن الملك ضوء المكان بن عمر النعمان .
فلما سمع كهرداش هذا الخطاب قال :
لا يستنكر عليك الكمال والجمع بين الفروسية والجمال .
ثم قال له :
توجه بأمان فإن أباك كان ذا فضل وإحسان .
فقال له كان ما كان :
أنا والله ما أوقرك يا مهان .
فاغتاظ البدوي ثم حمل كل منهما على صاحبه فشدت لهما الخيل أذانها ورفعت أذنابها ولم يزالا يصطدمان حتى ظن كل منهما أن السماء قد انشقت ، ثم بعد ذلك تقاتلا ككباش النطاح واختلفت بينهما طعنات الرماح فحاوله كهرداش بطعنة فزاغ عنها كان ما كان ثم كر عليه وطعنه في صدره فطلع السنان يلمع من ظهره وجمع الخيل والأسلاب وصاح في العبيد :
دونكم والسوق الشديد .
فنزل عند ذلك صباح وجاء إلى كان ما كان وقال له :
أحسنت يا فارس الزمان إني دعوت لك واستجاب ربي لدعائي .
ثم إن صباح قطع رأس كهرداش فضحك كان ما كان وقال له :
ويلك يا صباح إني كنت أظن أنك فارس الحرب والكفاح .
فقال :
لا تنسى عبدك من هذه الغنيمة لعلي أصل بسببها إلى زواج بنت عمي نجمة .
فقال له :
لابد لك من نصيب ولكن كن محافظاً على الغنيمة والعبيد .
ثم إن كان ما كان سار متوجهاً إلى الديار ولم يزل سائراً بالليل والنهار حتى أشرف على مدينة بغداد وعلمت به جميع الأجناد ورأوا ما معه من الغنيمة والأموال ورأس كهرداش على رمح صباح وعرف التجار رأس كهرداش ففرحوا وقالوا :
لقد أراح الله الخلق منه لأنه كان قاطع الطريق .
وتعجبوا من قتله ودعوا لقاتله ، وأتى أهل بغداد إلى كان ما كان بما جرى من الأخبار فهابته جميع الرجال وخافته الفرسان والأبطال وساق ما معه إلى أن أوصله تحت القصر وركز الرمح الذي عليه رأس كهرداش إلى باب القصر وهب للناس وأعطاهم الخيل والجمال فأحبه أهل بغداد ومالت إليه القلوب ثم أقبل على صباح وأنزله في بعض الأماكن الفساح ثم دخل على أمه وأخبرها بما جرى له في سفره .
وقد وصل إلى الملك خبره فقام من مجلسه واختلى بخواصه وقال لهم :
اعلموا أني أريد البوح لكم بسري وأبدي لكم مكنون أمري اعلموا أن كان ما كان هو الذي يكون سبباً لانقلاعنا من هذه الأوطان لأنه قتل كهرداش مع أن قبائل من الأكراد والأتراك وأمرنا معه إلى الهلاك وأكثر خوفنا من أقاربه ، وقد علمتم بما فعل الوزير دندان فإنه جحد معروفي بعد الإحسان وخانني في الأيمان وبلغني أنه جمع عساكر البلدان وقصد أن يسلطن كان ما كان لأن السلطنة كانت لأبيه وجده ، ولا شك أنه قاتلي لا محالة .
فلما سمع خواص مملكته منه هذا الكلام قالوا له :
أيها الملك إنه أقل من ذلك ولولا أننا علمنا بأنه تربيتك لم يقبل عليه منا أحد واعلم أننا بين يديك إن شئت قتله قتلناه وإن شئت ابعاده أبعدناه .
فلما سمع كلامهم قال :
إن قتله هو الصواب ولكن لابد من أخذ الميثاق .
فتحالفوا على أنهم لا بد أن يقتلوا كان ما كان فإذا أتى الوزير دندان وسمع بقتله تضعف قوته عما هو عازم عليه ، فلما أعطوه العهد والميثاق على ذلك أكرمهم غاية الإكرام ثم دخل بيته وقد تفرق عنه الرؤساء وامتنعت العساكر من الركوب والنزول حتى يبصروا ما يكون لأنهم رأوا غالب العسكر مع الوزير دندان ، ثم إن الخبر وصل إلى قضى فكان فحصل عندها غم زائد وأرسلت إلى العجوز التي عادتها أن تأتيها من عند ابن عمها بالأخبار فلما حضرت عندها أمرتها أن تذهب إليه وتخبره بالخبر ، فلما سمع ذلك قال :
بلغي بنت عمي سلامي وقولي لها :
إن الأرض لله عز وجل يورثها من يشاء من عباده ، وما أحسن قول الشاعر :
الملك لله ومن يظفر بنيل منـي ........ يردده قهر ويضمن عنده الدركا
لو كان لي أو لغيري قدر أنملة ........ من التراب لكان الأمر مشتركا
فرجعت العجوز إلى بنت عمه وأخبرتها بما قاله وأعلمتها بأن كان ما كان أقام في المدينة ، ثم إن الملك سلسان صار ينتظر خروجه من بغداد ليرسل وراءه من يقتله فاتفق أنه خرج إلى الصيد والقنص وخرج صباح معه لأنه كان لا يفارقه ليلاً ولا نهاراً فاصطاد عشر غزلان وفيهن غزالة حلاء العيون صارت تتلفت يميناً وشمالاً فأطلقها فقال له صباح :
لأي شيء أطلقت هذه الغزالة ?
فضحك كان ما كان وأطلق الباقي وقال :
إن من المروءة إطلاق الغزلان التي لها أولاد وما تتلفت تلك الغزالة إلا لأن لها أولاد فأطلقتها وأطلقت الباقي في كرامتها .
فقال له صباح :
أطلقني حتى أروح إلى أهلي .
فضحك وضربه بعقب الرمح على قلبه فوقع على الأرض يتلوى كاثعبان ، فبينما هما كذلك وإذا بغبرة سائرة وخيل تركض وبان من تحتها فرسان شجعان وسبب ذلك أن الملك سلسان أخبروه أن كان ما كان خرج إلى الصيد والقنص فأرسل أمير من الديلم يقال له جامع ومعه عشرين فارساً ودفع لهم المال ثم أمرهم أن يقتلوا كان ما كان فلما قربوا منه حملوا عليه وحمل عليهم فقتلهم عن آخرهم وإذا بالملك سلسان ركب وسار ولحق بالعسكر فوجدهم مقتولين فتعجب ورجع وإذا بأهاليهم قبضوا عليه وشدوا وثاقه ، ثم إن كان ما كان توجه بعد ذلك من المكان وتوجه معه صباح البدوي .
فبينما هو سائر في طريقه رأى شاباً على باب داره فألقى كان ما كان عليه السلام فرد الشاب عليه السلام ثم دخل وخرج ومعه قصعتان إحداهما فيها لبن والثانية ثريد والسمن في جوانبها يموج ووضع القصعتين قدام كان ما كان وقال له :
تفضل علينا بالأكل من زادنا .
فامتنع كان ما كان وقال له الشاب :
مالك أيها الإنسان لا تأكل ?
فقال له كان ما كان :
اعلم أن الملك سلسان غصب ملكي ظلماً وعدواناً ثم إن ذلك الملك كان لأبي وجدي من قبلي فاستولى عليه قهراً بعد موت أبي ولم يعتبرني لصغر سني فنذرت أنني لا آكل لأحد زاد حتى أشفي فؤادي من غريمي .
فقال له الشاب :
ابشر فقد وفى الله نذرك واعلم أنه مسجون في مكان وأظنه يموت قريباً .
فقال له كان ما كان :
في أي بيت هو معتقل ?
فقال له :
في تلك القبة العالية .
فنظر كان ما كان إلى قبة عالية ورأى الناس في تلك القبة يدخلون وعلى سلسان يلطمون وهو يتجرع غصن المنون فقام كان ما كان ومشى حتى وصل إلى تلك القبة وعاين ما فيها ثم عاد إلى موضعه وقعد على الأكل وأكل ما تيسر ووضع ما بقي من اللحم في مزودة ثم جلس مكانه ولم يزل جالساً إلى أن أظلم الليل ونام الشاب الذي ضيفه ثم ذهب كان ما كان إلى القبة التي فيها سلسان وكان حولها كلاب يحرسونها فوثب عليه كلب من الكلاب فرمى له قطعة لحم من الذي في مزوده وما زال يرمي للكلاب لحماً حتى وصل إلى القبة وتوصل إلى أن صار عند الملك سلسان ووضع يده على رأسه ، فقال له بصوت عال :
من أنت ?
فقال :
أنا كان ما كان الذي سعيت في قتله فأوقعك الله في سوء تدبيرك أما يكفيك أخذ ملكي وملك أبي وجدي حتى تسعى في قتلي ?
فحلف له الملك سلسان الأيمان الباطلة أنه لم يسع في قتله وأن هذا الكلام غير صحيح فصفح عنه كان ما كان وقال له :
اتبعني .
فقال الملك سلسان :
لا أقدر أن أخطو خطوة واحدة لضعف قوتي .
فقال كان ما كان :
إذا كان الأمر كذلك نأخذ لنا فرسين ونركب أنا وأنت ونطلب البر .
ثم فعل كما قال وركب هو وسلسان وسارا حتى الصباح ثم صليا الصبح وسارا ولم يزالا كذلك حتى وصلا إلى بستان فجعلا يتحدثان فيه ثم قام كان ما كان إلى سلسان وقال له :
هل بقي في لقبك من أمر تكرهه ?
قال سلسان :
لا والله ثم اتفقوا على أنهم يرجعا إلى بغداد .
فقال صباح البدوي :
أنا أسبقكما لأبشر الناس .
فسبق يبشر النساء والرجال فخرجت إليه الناس بالدفوف والمزامير وبرزت قضي فكان وهي مثل البدر بهي الأنوار في دياجي الإعتكار فقابلها كان ما كان وحنت الأرواح للأرواح واشتاقت الأشباح للأشباح ولم يبق لأهل القصر حديث إلا في كان ما كان وشهد له الفرسان أنه أشجع أهل الزمان وقالوا :
لا يصلح أن يكون سلطاناً علينا إلا كان ما كان ويعود إلى ملك جده كما كان .
وأما سلسان فإنه دخل على نزهة الزمان فقالت له :
إني أرى الناس ليس لهم حديث إلا في كان ما كان ويصفونه بأوصاف يعجز عنها اللسان .
فقال لها :
ليس الخبر كالعيان ، فإني رأيته ولم أر فيه صفة من صفات الكمال وما كل ما يسمع يقال ولكن الناس يقلد بعضهم بعضاً في مدحه ومحبته وأجرى الله على ألسنة الناس مدحه حتى مالت إليه قلوب أهل بغداد والوزير دندان الغادر الخوان قد جمع له عساكر من سائر البلدان ومن الذي يكون صاحب الأقطار ويرضى أن يكون تحت يد حاكم يتيم ما له مقدار .
فقالت له نزهة الزمان :
وعلى ماذا عولت ?
قال الملك سلسان :
عولت على قتله ويرجع الوزير دندان خائباً في قصده ، ويدخل تحت أمري وطاعتي ولا يبقى له إلا خدمتي .
فقالت له نزهة الزمان :
الغدر قبيح بالأجانب فكيف بالأقارب والصواب أن تزوجه ابنتك قضي فكان وتسمع ما قيل فيما مضى من الزمان :
إذا رفع الزمان عليـك شخصـاً ........ وكنت أحق فمنه ولو تصاعـد
أنله حتـى رتـبـتـه تـجـده ........ ينيلك إن دنوت وإن تـبـاعـد
ولا تقـل الـذي تـدريه فـيه ........ تكن ممن عن الحسنى تقاعـد
فكم في الخدر أبهى من عروسه ........ ولكن للعروس الدهر سـاعـد
فلما سمع سلسان هذا الكلام وفهم الشعر والنظام قام مغضباً من عندها وقال :
لولا أني أعرف أنك تمزحين لعلوت رأسك بالسيف وأخمدت أنفاسك .
فقالت نزهة الزمان :
حيث غضبت مني فأنا أمزح معك .
ثم وثبت إليه وقبلت رأسه ويديه وقالت له :
الصواب ما تراه وسوف أتدبر أنا وأنت في حيلة نقتله بها .
فلما سمع منها هذا الكلام فرح وقال لها :
عجلي بالحيلة وفرجي كربتي فلقد ضاق علي باب الحيل .
فقالت له :
سوف أتحيل لك على إتلاف مهجته .
فقال لها :
بأي شيء ?
فقالت له :
بجاريتنا التي اسمها باكون فإنها بالمكر ذات فنون .
وكانت هذه الجارية من أنحس العجائز وعدم الخبث في مذهبها غير جائز وكانت ربت كان ما كان وقضي فكان غير أن كان ما كان يميل إليها كثيراً ومن فرط ميله كان ينام تحت رجليها .
فلما سمع الملك سلسان من زوجته هذا الكلام قال :
إن هذا الرأي هو الصواب .
ثم أحضر الجارية باكون وحدثها بما جرى وأمرها أن تسعى في قتله ووعدها بكل جميل ، فقالت له :
أمرك مطاع ولكن أريد يا مولاي أن تعطيني خنجراً قد سقي بماء الهلاك لأعجل لك بإتلافه .
فقال لها سلسان :
مرحباً بك .
ثم أحضر لها خنجراً يكاد أن يسبق القضاء وكانت هذه الجارية قد سمعت الحكايات والأشعار وتحفظ النوادر والأخبار فأخذت الخنجر وخرجت من الديار مفكرة فيما يكون به الدمار وأتت إلى كان ما كان وهو قاعد ينتظر وعد السيدة قضي فكان وكان في تلك الليلة قد تذكر بنت عمه قضي فكان فالتهبت من حبها في قلبه النيران .
فبينما هو كذلك وإذا بالجارية باكون داخلة عليه وهي تقول :
آن أوان الوصال ومضت أيام الإنفصال .
فلما سمع ذلك قال لها :
كيف حال قضي فكان ؟
فقالت له باكون :
اعلم أنها مشتغلة بحبك .
فعند ذلك قام كان ما كان إليها وخلع أثوابها عليها ووعدها بكل جميل فقالت له :
اعلم أنني أنام عندك الليلة وأحدثك بما سمعت من الكلام وأسليك بحديث كل متيم أمرضه الغرام .
فقال لها كان ما كان :
حدثيني بحديث يفرح به قلبي ويزول به كربي .
فقالت له باكون :
حباً وكرامةً .
ثم جلست إلى جانبه وذلك الخنجر من داخل أثوابها ، فقالت له :
اعلم أن أعذب ما سمعت أذني أن رجلاً كان يعشق الملاح وصرف عليهن ماله حتى افتقر وصار لا يملك شيئاً فضاقت عليه الدنيا فصار يمشي في الأسواق ويفتش على شيء يقتات به بينما هو ماش وإذا بقطعة مسمار شكته في إصبعه فسال دمه فقعد ومسح الدم وعصب إصبعه ثم قال وهو يصرخ ، حتى جاز على الحمام ودخلها ثم قلع ثيابه فلما صار داخل الحمام وجدها نظيفة فجلس على الفسقية وما زال ينزح الماء على رأسه إلى أن تعب .



وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .


Powered by: vBulletin
 ©2000 - 2025, Enterprises Ltd.
المنتدى برعاية مميزون العرب للخدمات الرقمية
www.z777z.com
Adsense Management by Losha
( جميع مايكتب يعبر عن وجهة نظر كاتبه ولا يحمل وجهة نظر الموقع يعبر عن كاتبها فقط )
جميع الحقوق محفوظة زوجــي و زوجتــي عالم الحياة الزوجية
جميع الحقوق محفوظة زوجــي و زوجتــي عالم الحياة الزوجية