الدعاء في الاستسقاء وممن يكون
[بلوغالمرام]
باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: فيقول المؤلف رحمه الله: [وعنه -أي: عن أنس -: أن عمر رضي الله عنه كان إذا قُحطوااستسقى بـ العباس بن عبد المطلب وقال: ( اللهم إنا كنا نستسقي إليك بنبينا فتسقينا،وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، فيسقون ).
رواه البخاري ].
هذا العمل منأمير المؤمنين عمر رضي الله تعالى عنه يدل دلالة عظيمة جداً على مكانة عمر أولاً،وعلى مكانة العباس ثانياً، وعلى ما ينبغي مراعاته في الاستسقاء بأهل الخير.
أمامن جانب عمر رضي الله تعالى عنه فإنه أمير المؤمنين الملهم المحدث، الذي وافقه ربهفي نزول القرآن في ستة مواطن، وهو الذي قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ماسلك عمر فجاً إلا سلك الشيطان فجاً آخر )، فهو بهذه المثابة، وخليفة رسول الله، وهوخليفة راشد، وسماه النبي صلى الله عليه وسلم الفاروق ، ومع هذا يتنحى أن يتقدميستسقي للمسلمين بوجود من هو أفضل منه في هذه الميدان.
فهناك رجال يصلحونللعبادات والدعاء لقربهم من الله، وهناك رجال يصلحون لسياسة الملك، وقهر العدو،وإصلاح أمر دنيا الناس.
فـ عمر يبين لنا هذه الخصائص، وقد جاء عن مالك رحمه اللهقوله: لقد تركت تحت سواري هذا المسجد رجالاً إني لأرجو دعوتهم عند الله، ولم آخذمنهم؛ لأنهم ليسوا من أهل هذا الشأن.
فهم ليسوا من أهل هذا الشأن، تفوتهم بعضصفات الرواة، فيمكن أن يتساهلوا، ويمكن أن لا يضبطوا، فهم في شأن آخر.
فخصائصالناس تختلف، فمنهم من يصلح لأمر ولا يصلح لأمر آخر، وهنا عمر تواضع وهو خليفة رسولالله صلى الله عليه وسلم وولي أمر المسلمين، ومع ذلك يتأخر، ويقدم العباس .
وذلكما ينبغي على الإمام وكل من أراد أن يستسقي، وهناك حديث مكتوب في منبر عثمان رضيالله تعالى عنه: (أئمتكم وافدوكم إلى الله، فتخيروا من توفدون)، فالإمام الذي يصليبنا وافدنا إلى الله قدمناه يسأل الله لنا، فيقول: { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَنَسْتَعِينُ * اهْدِنَا } [الفاتحة:5-6]، فهو وافدنا يسأل لنا الله، وقوله: (فتخيروا) أي: انظروا.
(من توفدون)، أي: أفضلكم وأقرؤكم لكتاب الله.
ومن هنانعرف مكانة العباس ، وجاء في بعض الروايات عن عمر : ( لقد رأيت رسول الله صلى اللهعليه وسلم ينزل العباس منزلة والده فتأسوا برسول الله ) يعني: رأيت رسول الله يكرمعمه العباس كما يكرم أباه، أو كان يعزه أو يجله كما يُعَزُّ الوالد، فتأسوا برسولالله وقدموه.
وهنا العباس رضي الله تعالى عنه عرف هذه المكانة، فقام عمر بين يديالله قائلاً: اللهم إنا كنا نتوسل أو نستسقي برسول الله فتسقينا.
والرسول صلىالله عليه وسلم مجاب الدعوة.
وفي فتح الباري أن رجلاً أتى قبر النبي صلى اللهعليه وسلم وطلب الاستسقاء، فرأى في المنام أن: ائت عمر .
وهذا يعلق عليه الشيخابن باز في طبعته بأنه لم يصح.
والذي عليه الرواية الصحيحة هنا أن عمر لم يأتإلى القبر، ولم يأت أحداً، ولكن توجه إلى الله بالأصل، ولم يبعد عمر عن الأصل -أي: رسول الله-؛ لأنه قدم واحداً من آل بيت رسول الله، ألا وهو عم رسول الله صلى اللهعليه وسلم.
ولهذا يقول العلماء: إذا أراد الإمام أن يستسقي وفي الناس من آل بيترسول الله صلى الله عليه وسلم من الصالحين فإنهم أولى بأن يقدموا على غيرهم؛ لأنمعهم زيادة فضل، وهو نسبهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال عمر : وإناالآن نتوسل إليك بـ العباس -ولم يكن التوسل بشخصه ولكن بدعاءه قم- يا عباس -فاستسقلنا.
أو: قم- يا عباس -فادع لنا.
فلو كان الاستسقاء بذاته لكان سيبقيه فيمكانه، ولكن بدعائه، فقام العباس وسأل الله بمكانته من رسول الله، وبطاعته لله أنيسقي الناس فسقوا في حالهم.
شرح البلوغ للشيخ عطية محمدسالم
ويتبين بعد ذلك أن المقصود هنا أن يطلب شخص من شخص آخر أن يدعو له أو لأشخاص أو للأمة وليس المقصود هنا التوسل ،وعلى العموم لو فرضنا أن المقصود التوسل فهل يجوز بالله عليك ياكلي إحساس أن نتوسل بالأموات كما تفعلون عند قبور أوليائكم ،وقبر الصحابي الجليل علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكذلك العباس والحسين وغيرهم تبكون بكاء شديدا وتسألونهم العون والشفاعة عند ربكم ،أليس هذا مصيبة وجرم عظيم ،وأنتم تدركون بأنهم أموات ولا يملكون لأنفسهم نفعا ولاضرا ،لأن ذلك كله بيد الله والمسلم ليس بينه وبين الله واسطة يدعوه بماشاء ولايلجأ بسؤال ميّت لايملك من هذا شيء ولو كان يملك لما مات ،فعجبا ورب الكعبة لكم تشرعون من الدين ماليس منه ،وتقتلون القتيل وتمشون في جنازته وترمون التهم على الآخرين جزافا ،والذي يعبد الله حق العبادة لايلجأ لمخلوق يطلب منه النفع والضر بشيء لايقدر عليه إلا الله ،وإنني أحذرك وأنصحك بألا تكوني إمعة تتبعين غيرك على غير هدى من الله