أخي الفاضل:
سر السعادة القرب من الله سبحانه والتباع سنة رسوله
أهداف الزواج في الإسلام والحكمة من تشريعه
شرع الله الزواج، وجعله شعيرة من شعائر دينه الحنيف الذي ارتضاه لعباده وحثهم عليه ورغبهم فيه، وجعل لهم الأسوة في ذلك بمن بعثهم وأرسلهم من الأنبياء والمرسلين صلوات الله عليهم أجمعين.. كل ذلك لما فيه من حكم بالغة، وما يحققه من مصالح وأهداف، تعود على الإنسان بخير دنياه وآخرته، وعلى البشرية كافة بصالح حالها ومآلها.
ولعل من أهم هذه الحكم والأهداف التي تتحقق باستمرار هذه الشعيرة:
1 - تحقيق العبودية لله بتنفيذ أمره:
فأول ما ينبغي على المسلم أن يضعه في اعتباره حين الإقدام على الزواج، أن يمتثل - بذلك - أمر الله لعباده، حين أمرهم بالنكاح، ورغبهم فيه بمثل قوله تعالى: [ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ ] [1] وهذا الامتثال لمثل هذا التوجيه الرباني، فيه طاعة لأمر الله، وتعبير صادق عن العبودية الخالصة له، كما هو استنان بسنة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه الحديث الذي رواه عنه أنس بن مالك رضي الله عنه: " حبب إلي الطيب والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة " [2] واقتداء بسيرة السلف الصالح رضوان الله عليهم أجمعين الذين ما عهد عنهم أنهم رغبوا عن الزواج أو زهدوا فيه، بل كان أحدهم يسرع إليه ما استطاع مخافة أن يلقى ربه عازباً [3] والزواج قربة يتقرب العبد بها إلى ربه إذ يملك به نصف دينه قال عليه الصلاة والسلام: " إذا تزوج العبد فقد استكمل نصف الدين، فيتق الله فيما بقي " [4] كما وإن له في كل مباضعة مع زوجه أجراً عند ربه وثواباً: فعن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "... وفي بضع أحدكم صدقة، قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له أجر ؟؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام، أكان عليه وزر ؟؟ قالوا: بلى، قال: فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له فيها أجر " [5]
2 - غض البصر وحفظ الفرج:
ذلك أن الزواج وسيلة عظمية من الوسائل التي تساعد المسلم على تحقيق التوجيه الإلهي الكريم لعباده بغض البصر وحفظ الفرج، والمتمثل في قوله تعالى: [ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ] [6] وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم هذا الأثر العظيم للزواج في صيانة البصر والفرج بقوله: " يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحفظ للفرج " [7].
إن في غض البصر سلامة للمجتمع من الإنحلال والتفسخ، باعتباره - من جانب الرجال - أدباً نفسياً رفيعاً، وإغلاقاً للنافذة الأولى من نوافذ الفتنة والغواية، كما هو - من جانب النساء - ترفّع وإحجام عن إرسال النظرات الجائعة والسهام الهاتفة التي تستثير كوامن الفتنة في صدور الرجال، ولاشك أن التساهل في غض البصر يؤدي إلى الانزلاق وراء الشهوات، والتردي في مهاوي الرذيلة، وما حفظ الفرج سوى الثمرة الطبيعية والنتيجة المنطقية المترتبة عليه، ولذا كان الجمع بينهما في الآية والحديث باعتبارهما سبباً ونتيجة، أو لكونهما الخطوتين المتواليتين في عالم الضمير والواقع، وبديهي أن من تمكنت في نفسه تقوى الله، ولازمه الشعور بمراقبته فغض بصره عن المحرمات والمفاتن سيكون - بإذن الله - بمنأى عما حرمه الله عليه من ترد في الحرام ووقوع في الفاحشة.
3 - إنجاب الذرية واستمرار النسل:
وبذا تمتد الحياة إلى آخر مطافها ويكتب للنسل البشري البقاء فيعمر الكون ويقوم الإنسان بدوره في خلافة الأرض وهذا ما يفيده قوله صلى الله عليه وسلم من حديث أبي أمامة رضي الله عنه: " تزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة ولا تكونوا كرهبانية النصارى " [8].
ولا ريب أن قوام الأسرة في الإسلام: الزوج والزوجة، بهما تتشكل البنية الأساسية لهذا الصرح الاجتماعي إلا أن تكاثر الأولاد من حولهما وفي ظل كنفهما أكمل لهذا الكيان وأمثل.. وما الزوجان إلا بمثابة جذع هذه الشجرة المباركة، والأولاد غصونها الممتدة وفروعها، وشجرة جرداء من الغصن والفرع من الزهر والثمر، لن تكون بحال في كمال أخرى كثيفة الفروع، متشابكة الغصون، وارفة الظلال، زاخرة الجنى والثمر.
ثم إن الإنسان مطبوع على حب البقاء، وإذا كان لا سبيل إلى بقائه بذاته، فإن سبيله إلى البقاء يكون بنسله المعروف نسبه إليه، يراه إمتداداً في بقائه، واستمراراً لذكره، وخلوداً لحياته.
4 - تحقيق السكن النفسي والروحي:
فبالزواج يجد كل من الزوجين - في ظل صاحبه - سكن النفس، وسعادة القلب، وراحة الضمير، إذ يأوي إلى من يحنو عليه، ويلوذ بمن يشاركه السرّاء والضرّاء وينسيه هموم الحياة، ويمسح عنه لأواءها، قال تعالى: [ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ] [9] إن الرابطة بين الرجل والمرأة ليست رابطة مضاجعة فحسب، بل هي أيضاً رابطة رعاية وحب، وعلاقة عطف ومودة وحنان، ولا أدل على ما يحققه الزواج من سكن وراحة وتوازن في حياة المرء من أن كل الإحصائيات الحديثة تفيد أن الذين يدخلون مستشفيات الأمراض النفسية والعصبية أو ينتحرون أكثر ما يكونون من غير المتزوجين، لأن المتزوج - غالباً - ما يتصف بالإتزان والهدوء، وقلما يشوب حياته الشذوذ والسويداء اللذان تظل سحائبهما - في الأعم الغالب - حياة الأعزب.
5 - المحافظة على الأنساب:
ذلك أن اقتران الرجل بالمرأة ضمن هذه المؤسسة الاجتماعية التي هي
( الأسرة ) يضمن للأبناء الانتساب إلى آبائهم مما يشعرهم باعتبار ذواتهم واستقرارهم ويجعلهم يحسون بكرامتهم الإنسانية، فالولد فرع من شجرة معروفة الأصل والمنبت والأرومة وليس ملقاً هملاً يسبح في الفضاء لا أصل له ولا جذر.
وبذا يرجع كل فرع إلى أصله، فيسعى لأن يحافظ عليه نقياً طاهراً، كي يعتز به ويفخر، ولولا هذا التنظيم الرباني لجموع البشرية، لتحولت المجتمعات إلى أخلاط وأوزاع لا تعرف رابطة ولا يضمها كيان.. ولغدا الناس كالبهائم يهيمون في كل واد، وقد خلعت عنهم أستار العفة والحياء والفضيلة.
6 - صيانة المجتمعات البشرية من خطر الأمراض الفتاكة والأدواء المعدية:
هي أمراض وأدواء وعلل تنتشر بانتشار الزنى وشيوع الفاحشة، كالزهري والسيلان والإيدز والهربس ومرض التهاب الكبد الفيروسي وسرطان الفم واللسان، وهاهي المجتمعات المنحلة تعاني من ويلاتها ما تعاني، بسبب انعتاق الناس فيها من رباط الزواج المقدس، واتجاههم إلى كل لون من ألوان الإتصال المحرّم والمشبوه كل ذلك تحقيقاً لما أخبر عن وقوعه المصطفى صلى الله عليه وسلم: فعن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما قال: أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " يا معشر المهاجرين، خمس إذا ابتليتم بهن، وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها، إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا.. وذكر أشياء أخرى " [10].
وعن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا تزال أمتي بخير ما لم يفش فيهم ولد الزنا، فإذا فشا بينهم ولد الزنا، فيوشك أن يعمهم الله عز وجل بعقاب " [11].
( منقول للافائدة أسأل الله أن يجعله في ميزان حسنات من كتبه)