مون فايس ..:: مشرفه دليل المطبخ والتغذيه ::..

وفي الليلة الثامنة والثلاثين



قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الأعرج لما قال للشيخ انظر إن بقي لك حيلة أخرى فتركه وأتى إلى دكانه ينتظر أحداً يأتي إليه بشغل يتقوت من أجرته وإذا هو بالجارية قد أتت إليه وكانت اتفقت مع سيدتها على تلك الحيلة فقال له: إن سيدتي مشتاقة إليك وقد طلعت السطح لترى وجهك من الروشن فلم يشعر أخي إلا وهي قد طلعت له من الروشن وصارت تبكي وتقول: لأي شيء قطعت المعاملة بيننا وبينك فلم يرد عليها جواباً فحلفت له أن جميع ما وقع له في الطاحون لم يكن باختيارها فلما نظر أخي إلى حسنها وجمالها ذهب عنه ما حصل له وقبل عذرها وفرح برؤيتها، ثم سلم عليها وتحدث معها وجلس في خياطتها مدة وبعد ذلك ذهبت إليه الجارية وقالت له: تسلم عليك سيدتي وتقول لك: إن زوجها قد عزم على أن يبيت عند بعض أصدقائه في هذه الليلة، فإذا مضى عندهم تكون أنت عندنا وتبيت مع سيدتي في ألذ عيش إلى الصباح وكان زوجها قد قال لها ما يكون العمل في مجيئه عندك حتى آخذه وأجره إلى الوالي فقالت: دعني أحتال عليه بحيلة وأفضحه فضيحة يشتهر بها في هذه المدينة وأخي لا يعلم شيئاً من كيد النساء. فلما اقبل المساء جاءت الجارية إلى أخي وأخذته ورجعت به إلى سيدتها فقالت له: والله يا سيدي إني مشتاقة إليك كثيراً فقال: بالله عليك عجل بقبلة قبل كل شيء فلم يتم كلامه إلا وقد حضر زوج الصبية من بيت جاره فقبض على أخي وقال له: لا أفارقك إلا عند صاحب الشرطة فتضرع إليه أخي فلم يسمعه بل حمله إلى دار الوالي فضربه بالسياط وأركبه جملاً ودوره في شوارع المدينة والناس ينادون عليه هذا جزاء من يهيم على حرائم الناس ووقع من فوق الجمل فانكسرت رجله فصار أعرج ثم نفاه الوالي من المدينة فخرج لا يدري أين يقصد فاغتظت أنا فلحقته وأتيت به والتزمت بأكله وشربه إلى الآن فضحك الخليفة من كلامي وقال: أحسنت فقلت: لا أقبل هذا التعظيم منك دون أن تصغي غلي حتى أحكي لك ما وقع لبقية أخوتي ولا تحسب أني كثير الكلام فقال الخليفة: حدثني بما وقع لجميع أخوتك وشنف مسامعي بهذه الرقائق واسلك سبيل الأطناب في ذكر هذه اللطائف. فقلت: اعلم يا أمير المؤمنين أن أخي الثاني كان اسمه بقبق وقد وقع له أنه كان ماشياً يوماً من الأيام متوجهاً إلى حاجة له وإذا بعجوز قد استقبلته وقال له: أيها الرجل قف قليلاً حتى أعرض عليك أمراً فإن أعجبك فاقضه لي فوقف أخي فقال له: أدلك على شيء وأرشدك إليه بشرط أن لا يكون كلامك كثيراً فقال لها أخي: هات كلامك قالت: ما قولك في دار حسنة وماؤها يجري وفاكهة مدام ووجه مليح تشاهده وخد أسيل تقبله وقد رشيق تعانقه ولم تزل كذلك من العشاء إلى الصباح، فإن فعلت ما أشترط عليك رأيت الخير فلما سمع أخي كلامها قال لها: يا سيدتي وكيف قصدتيني بهذا الأمر من دون الخلق أجمعين فأي شيء أعجبك مني؟ فقال لأخي: أما قلت لك لا تكن كثير الكلام واسكت وامض معي ثم ولت العجوز وسار أخي تابعاً لها طمعاً فيما وصفته له حتى دخلا داراً فسيحة وصعدت به من أدنى إلى أعلى فرأى قصراً ظريفاً فنظر أخي فرأى فيه أربع بنات ما رأى الراؤون أحسن منهن وهن يغنين بأصوات تطرب الحجر الأصم، ثم إن بنتاً منهن شربت قدحاً فقال لها أخي: بالصحة والعافية وقام ليخدمها فمنعته من الخدمة ثم سقته قدحاً وصفعته على رقبته.

فلما رأى أخي ذلك خرج مغضباً ومكثراً الكلام فتبعته العجوز وجعلت تغمزه بعينها ارجع فرجع وجلس ولم ينطق فأعادت الصفعة على قفاه إلى أن أغمي عليه ثم قام أخي لقضاء حاجته فلحقته العجوز وقال له: اصبر عليلاً حتى تبلغ ما تريد فقال لها أخي: إلى كم أصبر قليلاً؟ فقالت العجوز إذا سكرت بلغت مرادك فرجع أخي إلى مكانه فقامت البنات كلهن وأمرتهن العجوز أن يجردنه من ثيابه وأن يرششن على وجهه ماء ورد، ففعلن ذلك فقالت الصبية البارعة الجمال منهن: أعزك الله قد دخلت منزلي فإن صبرت على شرطي بلغت مرادك فقال لها أخي: يا سيدتي أنا عبدك وفي قبضة يدك، فقالت له: اعلم أن الله قد شغفني بحب المطرب فمن أطاعني نال ما يريد، ثم أمرت الجواري أن يغنين فغنين حتى طرب المجلس، ثم قالت الجارية: خذي سيدك واقض حاجته وائتيني به في الحال، فأخذت الجارية أخي ولا يدري ما تصنع به فلحقته العجوز وقالت له: اصبر ما بقي إلا القليل، فأقبل أخي على الصبية والعجوز تقول: اصبر فقد بلغت ما تريد وإنما بقي شيء واحد وهو أن تحلق ذقنك. فقال لها أخي: وكيف أعمل في فضيحتي بين الناس؟ فقالت له العجوز إنها ما أرادت أن تفعل بك ذلك إلا لأجل أن تصير أمرد بلا ذقن ولا يبقى في وجهك شيء يشكها فإنها صار في قلبها لك محبة عظيمة فاصبر فقد بلغت المنى فصبر أخي وطاوع الجارية وحلق ذقنه وجاءت به إلى الصبية وإذا هو محلوق الحاجبين والشاربين والذقن فقام ورقص فلم تدع في البيت مخدة حتى ضربته بها وكذلك جميع الجواري صرن يضربنه بمثل نارنجة وليمونة وأترجة إلى أن سقط مغشياً عليه من الضرب ولم يزل الصفع على قفاه والرجم في وجهه إلى أن قالت له العجوز: الآن بلغت مرادك واعلم أنه ما بقي عليك من الضرب شيء وما بقي إلا شيء واحد وذلك أن من عادتها أنها إذا سكرت لا تمكن أحداً من نفسها حتى تقلع ثيابها وسراويلها وتبقى عريانة من جميع ما عليها من ثيابها وأنت الآخر تقلع ثيابك وتجري ورائها وهي تجري قدامك كأنها هاربة منك، ولم تزل تابعها من مكان إلى مكان حتى يقوم عضوك فتمكنك من نفسها، ثم قالت له: قم اقلع ثيابك فقال وهو غائب عن الوجود وقلع ثيابه جميعاً، وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
[/color]

توقيع
مون فايس ..:: مشرفه دليل المطبخ والتغذيه ::..


وفي الليلة التاسعة والثلاثون


قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن أخا المزين قلع ثيابه وصار عرياناً، فقالت الجارية لأخي: قم الآن واجر ورائي وأجري أنا قدامك وإذا أردت شيئاً فاتبعني فجرت قدامه وتبعها ثم جعلت تدخل من محل إلى محل وتخرج من محل إلى محل آخر وأخي وراءها وقد غلب الشنق وعضوه قائم كأنه مجنون ولم تزل تجري قدامه وهو يجري وراءها، حتى سمع منها صوتاً رقيقاً وهي تجري قدامه وهو يجري وراءها، فبينما هو كذلك إذ رأى نفسه في وسط زقاق وذلك الزقاق في وسط الجلادين وهم ينادون على الجلود فرآه الناس على تلك الحالة وهو عريان قائم العضو محلوق الذقن والحواجب والشوارب، محمر الوجه فصاحوا عليه وصاروا يضحكون ويقهقهون، وصار بعضهم يصفعه بالجلود وهو عريان حتى غشي عليه وحملوه على حمار حتى أوصلوه إلى الوالي فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا وقع لنا من بيت الوزير وهو على هذه الحالة، فضربه الوالي مائة سوط وخرجت أنا خلفه وجئت به وأدخلته المدينة سراً ثم رتبت له ما يقتات به فلولا مروءتي ما كنت أحتمل مثله.
وأما أخي الثالث فاسمه فقة ساقه القضاء والقدر إلى دار كبيرة، فدق الباب طمعاً أن يكلمه صاحبها فيسأله شيئاً، فقال صاحب الدار: من بالباب؟ فلم يكلمه أحد فسمعه أخي يقول بصوت عال: من هذا؟ فلم يكلمه أخي وسمع مشيه حتى وصل إلى الباب وفتحه فقال: ماتريد؟ قال له أخي: شيئاً لله تعالى فقال له: هل أنت ضرير؟ قال له أخي: نعم فقال له: ناولني يدك فناوله يده فأدخله الدار ولم يزل يصعد به من سلم إلى سلم حتى وصل إلى أعلى السطوح، وأخي يظن أنه يطعمه شيئاً فلما انتهى إلى أعلى مكان، قال لأخي: ما تريد يا ضرير قال: أريد شيئاً لله تعالى فقال له: يفتح الله عليك فقال له أخي: يا هذا أما كنت تقول لي ذلك وأنا في الأسفل فقال له: يا أسفل السفلة لم تسألني شيئاً لله حين سمعت كلامي أول مرة وأنت تدق الباب فقال أخي: هذه الساعة ما تريد أن تصنع بي؟ فقال له: ما عندي شيء حتى أعطيك إياه قال: انزل بي إلى السلالم، فقال لي: الطريق بين يديك فقام أخي واستقبل السلالم وما زال نازلاً حتى بقي بينه وبين الباب عشرون درجة فزلقت رجله فوقع ولم يزل واقعاً منحدراً من السلالم حتى انشج رأسه فخرج وهو لا يدري أين يذهب فلحقه بعض رفقائه العميان فقال له: أي شيء حصل لك في هذا اليوم؟ فحدثهم بما وقع له قال لهم: يا أخوتي أريد أن آخذ شيئاً من الدراهم التي بقيت معنا وأنفق منه على نفسي وكان صاحب الدار مشى خلفه ليعرف حاله فسمع كلامه وأخي لا يدري بأن الرجل يسعى خلفه إلى أن دخل مكانه، ودخل الرجل خلفه وهو لا يشعر به، وقعد أخي ينتظر رفقاءه فلما دخلوا عليه قال لهم: أغلقوا الباب وفتشوا البيت كيلا يكون أحد غريب تبعنا، فلما سمع الرجل كلام أخي قام وتعلق بحبل كان في السقف، فطافوا البيت جميعه فلم يجدوا أحداً، ثم رجعوا وجلسوا إلى جانب أخي أخرجوا الدراهم التي معهم وعدوها فإذا هي عشرة آلاف درهم فتركوها في زاوية البيت وأخذ كل واحد مما زاد عنها ما يحتاج إليه ودفنوا العشرة آلاف درهم في التراب، ثم قدموا بين أيديهم شيئاً من الأكل وقعدوا يأكلون فأحس أخي بصوت غريب في جهته فقال للأصحاب: هل معنا غريب ثم مد يده فتعلقت بيد الرجل صاحب الدار فصاح على رفقائه وقال: هذا غريب فوقعوا فيه ضرباً، وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

توقيع
مون فايس ..:: مشرفه دليل المطبخ والتغذيه ::..


وفي الليلة الأربعين


قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن أخي لما صاح على رفقائه وقال: هذا غريب وقعوا فيه ضرباً فلما طال عليهم ذلك صاحوا: يا مسلمين دخل علينا من يريد أن يأخذ مالنا فاجتمع عليهم خلق فتعامى الرجل الغريب صاحب الدار الذي ادعوا عليه أنه لص وأغمض عينيه وأظهر أنه أعمى مثلهم بحيث لا يشك فيه أحد وصاح: يا مسلمين أنا بالله والسلطان أنا بالله والوالي أنا بالله والأمير فإن عندي نصيحة للأمير فلم يشعروا إلا وقد احتاطهم جماعة الوالي فأخذوهم وأخي معهم وأحضروهم بين يديه فقال الوالي: ما خبركم؟ فقال ذلك الرجل: اسمع كلامي أيها الوالي لا يظهر لك حقيقة حالنا إلا بالعقوبة، وإن شئت فابدأ بعقوبتي قبل رفقائي فقال الوالي: اطرحوا هذا الرجل واضربوه بالسياط فطرحوه وضربوه فلما أوجعه الضرب فتح إحدى عينيه فلما ازداد عليه الضرب فتح عينه الأخرى فقال له الوالي: ما هذه الفعال يا فاجر؟ فقال: أعطني الأمان وأنا أخبرك فأعطاه الأمان، فقال: نحن أربعة نعمل حالنا عمياناً ونمر على الناس وندخل البيوت وننظر النساء ونحتال في فسادهن، واكتساب الأموال من طرقهن وقد حصلنا من ذلك مكسباً عظيماً وهو عشرة آلاف درهم فقلت لرفقائي: أعطوني حقي ألفين وخمسمائة فقاموا وضربوني وأخذوا مالي وأنا مستجير بالله وبك وأنت أحق بحصتي من رفقائي، وإن شئت أن تعرف صدق قولي فاضرب كل واحد أكثر مما ضربتني فإنه يفتح عينيه فعند ذلك أمر الوالي بعقوبتهم وأول ما بدأ بأخي وما زالوا يضربونه حتى كاد أن يموت ثم قال لهم الوالي: يا فسقة تجحدون نعمة الله وتدعون أنكم عميان فقال أخي: الله الله الله ما فينا بصير فطرحوه إلى الضرب ثانياً ولم يزالوا يضربونه حتى غشي عليه فقال الوالي: دعوه حتى يفيق وأعيدوا عليه الضرب ثالث مرة، ثم أمر بضرب أصحابه كل واحد أكثر من ثلاثمائة عصا والنصير يقول لهم: افتحوا عيونكم وإلا جددوا عليكم الضرب ثم قال للوالي: ابعث معي من يأتيك بالمال، فإن هؤلاء ما يفتحون أعينهم ويخافون من فضيحتهم بين الناس فبعث الوالي معه من أتاه بالمال، فأخذه وأعطى الرجل منه ألفين وخمسمائة درهم على قدر حصته رغماً عنهم، وبقي أخي وباقي الثلاثة خارج المدينة فخرجت أنا يا أمير المؤمنين ولحقت أخي وسألته عن حاله فأخبرني بما ذكرته لك فأدخلته المدينة سراً ورتبت له ما يأكل وما يشرب طول عمره. فضحك الخليفة من حكايتي وقال: صلوه بجائزة ودعوه ينصرف فقلت له: والله ما آخذ شيئاً حتى أبين لأمير المؤمنين ما جرى لبقية أخوتي وأوضح له أني قليل الكلام فقال الخليفة: أصدع آذاننا بخرافة خبرك وزدنا من عجرك وبجرك فقلت: وأما أخي الرابع يا أمير المؤمنين وهو الأعور فإنه كان جزاراً ببغداد يبيع اللحم ويربي الخرفان وكانت الكبار وأصحاب الأموال يقصدونه ويشترون منه اللحم فاكتسب من ذلك مالاً عظيماً واقتنى الدواب والدور، ثم أقام على ذلك زمناً طويلاً فبينما هو في دكانه يوماً من الأيام إذ وقف عليه شيخ كبير اللحية فدفع له دراهم، وقال: أعطني بها لحماً فأخذ الدراهم منه وأعطاه اللحم وانصرف، فتأمل أخي في فضة الشيخ فرأى دراهمه بيضاً بياضها ساطع فعزلها وحدها في ناحية وأقام الشيخ يتردد عليه خمسة أشهر وأخي يطرح دراهمه في صندوق وحدها ثم أراد أن يخرجها ويشتري غنماً فلما فتح الصندوق رأى ما فيه ورقاً أبيض مقصوصاً فلطم وجهه وصاح، فاجتمع الناس عليه فحدثه بحديثه فتعجبوا منه ثم رجع أخي إلى الدكان على عادته فذبح كبشاً وعلقه خارج الدكان وصار يقول في نفسه: لعل ذلك الشيخ يجيء فأقبض عليه فما كان إلا ساعة وقد أقبل الشيخ ومعه الفضة فقام أخي وتعلق به وصار يصيح: يا مسلمين ألحقوني واسمعوا قصتي مع هذا الفاجر. فلما سمع الشيخ كلامه قال له: أي شيء أحب إليك أن تعرض عن فضيحتي أو أفضحك بين الناس؟ فقال له: يا أخي بأي شيء تفضحني؟ قال: بأنك تبيع لحم الناس في صورة لحم الغنم فقال له: يا أخي كذبت يا ملعون فقال الشيخ: ما ملعون إلا الذي عنده رجل معلق في الدكان فقال له أخي: إن كان الأمر كما ذكرت مالي ودمي حلال لك فقال الشيخ: يا معاشر الناس، إن هذا الجزار يذبح الآدميين ويبيع لحمهم في صورة لحم الغنم وإن أردتم أن تعلموا صدق قولي فادخلوا دكانه فهجم الناس على دكان أخي فرؤوا ذلك الكبش صار إنساناً معلقاً فلما رأوا ذلك تعلقوا بأخي وصاحوا عليه: يا كافر يا فاجر وصار أعز الناس إليه يضربه ويلطمه الشيخ على عينه، فقلعها وحمل الناس ذلك المذبوح إلى صاحب الشرطة فقال له الشيخ: أيها الأمير إن هذا الرجل يذبح الناس ويبيع لحمهم على أنه لحم غنم وقد أتيناك به فقم واقض حق الله عز وجل فدافع أخي عن نفسه فلم يسمع منه صاحب الشرطة بل أمر بضربه خمسمائة عصا وأخذوا جميع ماله ولولا كثرة ماله لقتلوه ثم نفوا أخي من المدينة فخرج هائماً لا يدري أين يتوجه فدخل مدينة كبيرة واستحسن أن يعمل إسكافياً ففتح دكاناً وقعد يعمل شيئاً يتقوت منه فخرج ذات يوم في حاجة فسمع صهيل خيل فبحث على سبب ذلك فقيل له أن الملك خارج إلى الصيد والقنص فخرج أخي ليتفرج على الموكب وهو يتعجب من خسة رأيه حيث انتقل من صنعة الأساكفة فالتفت الملك وفقعت عينه على عين أخي فأطرق الملك رأسه، وقال: أعوذ بالله من شر هذا اليوم وثنى عنان فرسه، وانصرف راجعاً فرجع جميع العسكر وأمر الملك غلمانه أن يلحقوا أخي ويضربونه فلحقوه وضربوه ضرباً وجيعاً حتى كاد أن يموت ولم يدر أخي السبب فرجع إلى موضعه وهو في حالة العدم ثم مضى إلى إنسان من حاشية الملك وقص عليه ما وقع له فضحك حتى استلقى على قفاه وقال له: يا أخي اعلم أن الملك لا يطيق أن ينظر إلى أعور لا سيما إن كان الأعور شمالاً فإنه لا يرجع عن قتله فلما سمع أخي ذلك الكلام عزم على الهروب من تلك المدينة وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

توقيع
مون فايس ..:: مشرفه دليل المطبخ والتغذيه ::..


وفي الليلة الحادية والأربعين


قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الأعور لما سمع ذلك الكلام عزم على الهروب من تلك المدينة وارتحل منها وتحول إلى مدينة أخرى لم يكن فيها ملك وأقام بها زمناً طويلاً، ثم بعد ذلك تفكر في أمره وخرج يوماً ليتفرج فسمع صهيل خيل خلفه، فقال: جاء أمر الله وفر يطلب موضعاً ليستتر فيه فلم يجد، ثم نظر فرأى باباً منصوباً فدفع ذلك الباب فدخل فرأى دهليزاً طويلاً فاستمر داخلاً فيه فلم يشعر إلا ورجلان قد تعلقا به وقالا: الحمد لله الذي مكننا منك يا عدو الهل هذه ثلاث ليال ما أرحتنا ولا تركتنا ننام ولا يستقر لنا مضجع بل أذقتنا طعم الموت فقال أخي: يا قوم ما أمركم بالله؟ فقالوا: أنت تراقبنا وتريد أن تفضحنا وتفضح صاحب البيت، أما يكفيك أنك أفقرته وأفقرت أصحابك ولكن أخرج لنا السكين التي تهددنا بها كل ليلة وفتشوه فوجدوا في وسطه السكين التي يقطع بها النعال، فقال: يا قوم اتقوا الله في أمري واعلموا أن حديثي عجيب فقالوا: وما حديثك فحدثهم بحديثه طمعاً أن يطلقوه.


فلم يسمعوا منه مقاله ولم يلتفوا إليه بل ضربوه ومزقوا أثوابه، فلما تمزقت أثوابه وانكشف بدنه وجدوا أثر الضرب بالمقارع على جنبيه فقالوا له: يا ملعون هذا أثر الضرب يشهد على جرمك ثم أحضروا أخي بين يدي الوالي فقال في نفسه قد وقعت فأتيت إليه وأخذته وأدخلته المدينة سراً ورتبت له ما يأكل وما يشرب. وأما أخي الخامس فإنه كان مقطوع الأذنين، يا أمير المؤمنين وكان رجلاً فقيراً يسأل الناس ليلاً وينفق ما يحصله بالسؤال نهاراً، وكان والدنا شيخاً كبيراً طاعناً بالسن فخلف لنا سبعمائة درهم وأما أخي الخامس هذا فإنه لما أخذ حصته تحير ولم يدر ما يصنع بها فبينما هو كذلك إذ وقع في خاطره أنه يأخذ بها زجاجاً من كل نوع ليتجر فيه ويربح فاشترى بالمائة درهم زجاجاً وجعله في قفص كبير وقعد في موضع ليبيع ذلك الزجاج وبجانبه حائط فأسند ظهره إليها وقعد متفكراً في نفسه وقال: إن رأس مالي في هذا الزجاج مائة درهم أنا أبيعه بمائتي درهم ثم أشتري بالمائتي درهم زجاجاً أبيعه بأربعمائة درهم ولا أزال أبيع وأشتري إلى أن يبقى معي مال كثير فأشتري داراً حسنة وأشتري المماليك والخيل والسروج المذهبة وآكل وأشرب ولا أخلي مغنية في المدينة حتى أجيء بها إلى بيتي وأسمع مغانيها هذا كله، وهو يحسب في نفسه وقفص الزجاج قدامه. ثم قالت وابعث جميع الخاطبات في خطبة بنات الملوك والوزراء واخطب بنت الوزير فقد بلغني أنها كاملة الحسن بديعة الجمال وأمهرها بألف دينار، فإن رضي أبوها حصل المراد وإن لم يرض أخذتها قهراً على رغم أنفه، فإن حصلت في داري اشتري عشرة خدام صغار، ثم اشتري لي كسوة الملوك والسلاطين وأصوغ لي سرجاً من الذهب مرصعاً بالجوهر، ثم اركب ومعي المماليك يمشون حولي وقدامي وخلفي حتى إذا رآني الوزير قام إجلالاً لي وأقعدني مكانه ويقعد هو دوني لأنه صهري ويكون معي خادمان بكيسين في كل كيس ألف دينار فأعطيه ألف دينار مهر بنته وأهدي إليه الألف الثاني إنعاماً حتى أظهر له مروءتي وكرمي وصغر الدنيا في عيني، ثم أنصرف إلى داري فإذا جاء أحد من جهة امرأتي وهبت له دراهم وخلعت عليه خلعة وإن أرسل إلي الوزير هدية رددتها عليه ولو كانت نقيصة ولم أقبل منه حتى يعلموا أني عزيز النفس ولا أخلي نفسي إلا في أعلى مكانة، ثم أقدم إليهم في إصلاح شأني وتعظيمي فإذا فعلوا ذلك أمرتهم بزفافها ثم أصلح داري إصلاحاً بيناً فإذا جاء وقت الجلاء لبست أفخر ثيابي وقعدت على مرتبة من الديباج لا ألتفت بميناً ولا شمالاً لكبر عقلي ورزانة فهمي وتجيء امرأتي وهي كالبدر في حليها وحللها وأنا أنظر إليها عجباً وتيهاً حتى يقول جميع من حضر: يا سيدي امرأتك وجاريتك قائمة بين يديك فأنعم عليها بالنظر فقد أضر بها القيام ثم يقبلون الأرض قدامي مراراً فعند ذلك أرفع رأسي وأنظر إليها نظرة واحدة، ثم أطرق برأسي إلى الأرض فيمضون بها وأقوم أنا وأغير ثيابي وألبس أحسن مما كان علي فإذا جاؤوا بالعروسة المرة الثانية، لا أنظر إليها حتى يسألوني مراراً فأنظر إليها ثم أطرق إلى الأرض ولم أزل كذلك حتى يتم جلاؤها، وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

توقيع
مون فايس ..:: مشرفه دليل المطبخ والتغذيه ::..


وفي الليلة الثانية والأربعين


قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن أخا المزين الخامس قال:إني آمر بعض الخدامين أن يرمي كيساً فيه خمسمائة دينار للمواشط فإذا أخذته آمرهن أن يدخلنني عليها لا أنظر إليها ولا أكلمها احتقاراً لها لأجل أن يقال أني عزيز النفس حتى تجيء أمها وتقبل رأسي ويدي وتقول لي يا سيدي انظر جاريتك فإنها تشتهي قربك فأجبر خاطرها بكلمة فلم أرد عليها جواباً ولم تزل كذلك تستعطفني حتى تقوم وتقبل يدي ورجلي مراراً، ثم تقول: يا سيدي إن بنتي صبية مليحة ما رأت رجلاً فإذا رأت منك الانقباض انكسر خاطرها فمل إليها وكلمها ثم غنها تقوم وتحضر لي قدحاً وفيه شراباً ثم إن ابنتها تأخذ القدح لتعطيني فإذا جاءتني تركتها قائمة، بين يدي وأنا متكئ على مخدة مزركشة بالذهب لأنظر إليها من كبر نفسي وجلالة قدري حتى تظن في نفسها أني سلطان عظيم الشأن فتقول يا سيدي بحق الله عليك، لا ترد القدح من يد جاريتك فلا أكلمها فتلح علي وتقول: لا بد من شربه وتقدمه إلى فمي فأنفض يدي في وجهها وأرفسها وأعمل هكذا ثم أرفس أخي برجله فجاءت في قفص الزجاج وكان في مكان مرتفع فنزل على الأرض فتكسر كل ما فيه. ثم قال أخي هذا كله من كبر نفسي ولو كان أمره إلى أمير المؤمنين لضربته ألف سوط وشهرته في البلد ثم بعد ذلك صار أخي يلطم على وجهه ومزق ثيابه وجعل يبكي ويلطم على وجهه والناس ينظرون إليه وهم رائحون إلى صلاة الجمعة فمنهم من يرمقه ومنهم من لم يفكر فيه، وهو على تلك الحالة وراح منه رأس المال والربح ولم يزل جالساً يبكي وإذا بامرأة مقبلة إلى صلاة الجمعة وهي بديعة الجمال تفوح منها رائحة المسك، وتحتها بغلة بردعتها من الديباج مزركشة بالذهب ومعها عدد من الخدم فلما نظرت إلى الزجاج وحال أخي وبكائه أخذتها الشفقة عليه ورق قلبها له وسألت عن حاله فقيل لها: إنه كان معه طبق زجاج يتعيش منه فانكسر منه فأصابه ما تنظريه فنادت بعض الخدام وقالت له: ادفع الذي معك إلى هذا المسكين فدفع له صرة، فأخذها فلما فتحها وجد فيها خمسمائة دينار فكاد أن يموت من شدة الفرح، واقبل أخي بالدعاء لها ثم عاد إلى منزله غنياً وقعد متفكراً وإذا بدق يدق الباب فقام وفتح وإذا بعجوز لا يعرفها، فقالت له: يا ولدي اعلم أن الصلاة قد قرب زوال وقتها وأنا بغير وضوء وأطلب منك أن تدخلني منزلك حتى أتوضأ فقال لها: سمعاً وطاعة. ثم دخل أخي وأذن لها بالدخول وهو طائر من الفرح بالدنانير فلما فرغت أقبلت إلى الموضع الذي هو جالس فيه وصلت هناك ركعتين ثم دعت لأخي دعاء حسناً نشرها على ذلك وأعطاها دينارين فلما رأت ذلك قالت: سبحان الله أني أعجب ما أحبك وأنت بسمة الصعاليك فخذ مالك عني وإن كنت غير محتاج إليه فأردده إلى التي أعطتك إياه لما انكسر الزجاج منك فقال لها أخي: يا أمي كيف الحيلة في الوصول إليها؟ قالت: يا ولدي إنها تميل إليك لكنها زوجة رجل موسر فخذ جميع مالك معك فإذا اجتمعت بها فلا تترك شيئاً من الملاطفة والكلام الحسن إلا وتفعله معها فإنك تنال من جمالها ومن مالها، جميع ما تريد فأخذ أخي جميع الذهب وقام ومشى مع العجوز، وهو لا يصدق بذلك فلم تزل تمشي وراءها حتى وصلا إلى باب كبير فدقته فخرجت جارية رومية فتحت الباب، فدخلت العجوز وأمرت أخي بالدخول فدخل دار كبيرة فلما دخلها رأى فيها مجلساً كبيراً مفروشاً وسائد مسبلة. فجلس أخي ووضع الذهب بين يديه ووضع عمامته على ركبته فلم يشعر إلا وجارية أقبلت ما رأى مثلها الراؤون وهي لابسة أفخر القماش فقام أخي على قدميه فلما رأته ضحكت في وجهه وفرحت به، ثم ذهبت إلى الباب وأغلقته ثم أقبلت على أخي وأخذت يده ومضيا جميعاً إلى أن أتيا إلى حجرة منفردة فدخلاها وإذا هي مفروشة بأنواع الديباج فجلس أخي وجلست بجانبه ولاعبته ساعة زمانية ثم قامت وقالت له: لا تبرح حتى أجيء إليك، وغابت عنه ساعة فبينما هو كذلك إذ دخل عليه عبد أسود عظيم الخلقة ومعه سيف مجرد يأخذ لمعانه بالبصر وقال لأخي: يا ويلك من جاء بك إلى هذا المكان يا أخس الإنس يا ابن الزنا وتربية الخنا فلم يقدر أخي أن يرد عليه جواباً بل انعقد لسانه في تلك الساعة، فأخذه العبد وأعراه ولم يزل يضربه بالسيف صحفاً ضربات متعددة أكثر من ثمانين ضربة إلى أن سقط من طوله على الأرض فرجع العبد عنه واعتقد أنه مات وصاح صيحة عظيمة بحيث ارتجت الأرض من صوته ودوى له المكان وقال: أين الميلحة؟ فأقبلت إليه جارية في يدها طبق مليح فيه ملح أبيض فصارت الجارية تأخذ من ذلك الملح وتحشر الجراحات التي في جلد أخي حتى تهورت وأخي لا يتحرك خيفة أن يعلموا أنه حي فيقتلوه ثم مضت الجارية وصاح العبد صيحة مثل الأولى فجاءت العجوز إلى أخي وجرته من رجليه إلى سرداب طويل مظلم ورمته فيه على جماعة مقتولين فاستقر في مكانه يومين كاملين، وكان الله سبحانه وتعالى جعل الملح سبباً لحياته لأنه قطع سيلان عروق الدم. فلما رأى أخي في نفسه القوة على الحركة قام من السرداب وفتح طاقة في الحائط وخرج من مكان القتلى وأعطاه الله عز وجل الستر فمشى في الظلام واختفى في هذا الدهليز إلى الصبح فلما كان وقت الصبح خرجت العجوز في طلب سيد آخر فخرج أخي في أثرها وهي لا تعلم به حتى أتى منزله ولم يزل يعالج نفسه حتى بريء ولم يزل يتعهد العجوز وينظر إليها كل وقت وهي تأخذ الناس واحد بعد واحد وتوصلهم إلى تلك الدار وأخي لا ينطق بشيء ثم لما رجعت إليه صحته وكملت قوته عمد إلى خرقة وعمل منها كيساً وملأه زجاجاً وشد في وسطه وتنكر حتى لا يعرفه أحد ولبس ثياب العجم وأخذ سيفاً وجله تحت ثيابه فلما رأى العجوز قال لها بكلام العجم: يا عجوز هل عندك ميزان يسع تسعمائة دينار؟ فقالت العجوز: لي ولد صغير صيرفي عنده سائر الموازين فامض معي إليه قبل أن يخرج من مكانه حتى يزن لك ذهبك فقال أخي: امشي قدامي فسارت وسار أخي خلفها حتى أتت الباب فدقته فخرجت الجارية وضحكت في وجهه. وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

توقيع

Powered by: vBulletin
 ©2000 - 2025, Enterprises Ltd.
المنتدى برعاية مميزون العرب للخدمات الرقمية
www.z777z.com
Adsense Management by Losha
( جميع مايكتب يعبر عن وجهة نظر كاتبه ولا يحمل وجهة نظر الموقع يعبر عن كاتبها فقط )
جميع الحقوق محفوظة زوجــي و زوجتــي عالم الحياة الزوجية
جميع الحقوق محفوظة زوجــي و زوجتــي عالم الحياة الزوجية