بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ربِّ العالمين والعاقبة للمتقين ولاعدوان إلاّ على الظالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محّمد وعلى آله وصحبه أجمعين
إنَّ الخوف من الله تعالى، هو من المقامات العليّة، وهو من لوازم الإيمان، قال تعالى: وَخَافُونِ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ [آل عمران:175], وقال تعالى: فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ [المائدة:3], وقال تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء [فاطر:28]....
ولا بدَّ للمؤمن من أمور وعوامل هامة يحتاجها لإستجلاب هذا الخوف :
أولها: ـ وهو الجامع لكل ما يليه ـ تدبر كلام الله تعالى، وكلام نبيه ، والنظر في سيرته، وسيرة الصالحين من بعده، فإن تدبر هذا مما يعين على الخوف. ومن ذا ـ يا إخوان ـ من ذا الذي لا يخاف الله وهو يسمع آيات صفاته ونعوت جلاله؟ قوله تعالى: وَمَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالاْرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [الزمر:17].
الأمر الثاني مما يستجلب به الخوف: معرفة أسماء الله وصفاته وقوته وجبروته وعظمته، فمن عرف الله حق معرفته خاف منه حق خوفه، ولذلك كان السلف يقولون: من كان لله أعرف فهو لله أخوف.
فمن تأمل أسماء الله وصفاته ونظر فيها بعين الإيمان، وتأمل فيها ونظر لنفسه بالعجز, علم وأيقن أن الله لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء وأنه لو عذب أهل السموات والأرض لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم لكانت رحمته خيراً لهم من أعمالهم. ولذلك لو أن كل إنسان أراد مقارفة معصية أو وقوعًا في محارم الله وتذكر عظمة الله وقدرته عليه، لما عصى الله طرفة عين.!! وكيف تعصي يا مسكين؟! كيف تعصي جبار السموات والأرض وتنتهك محارم الله وهو ينظر إليك؟! من أنت عند مولاك وخالقك, إنه مهما علا صيتك وكثر مالك وانتشر نفوذك، فما أنت إلا مخلوق مربوب لا تملك لنفسك حولاً ولا طولاً؛ إنما أمرك عند جبار السموات والأرض, الذي أمره كلام،، ونهيه كلام،،، وعذابه كلام،،، ورحمته كلام إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَىْء إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [النحل:40].
ومما يستجلب به الخوف: التفكر في الموت وشدته.فيا أيها العاصي الذي قل خوفه من الله, أما تذكر ساعةً يعرق فيها الجبين وتخرس من فجأتها الألسن، وتقطر قطرات الأسف من الأعين، فتذَكَّرْ ذلك فالأمر شديد, وبادر بقية عمرك، فالندم بعد الموت لا يفيد. وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ [ق:19].
ومنها: التفكر في القبر وعذابه وهوله وفظاعته.فعن البراء بن عازب قال: كنا مع رسول الله في جنازة فجلس على شفير القبر فبكى حتى بَلَّ الثرى، ثم قال: ((يا إخواني لمثل هذا فأعدُّوا)) رواه أحمد وابن ماجه بإسناد حسن.
ومنها: التفكر في القيامة وأهوالها.
ومنها: تفكر العبد في ذنوبه.فإنه وإن كان قد نسيها, فإن الله تعالى قد أحصاها, وإنها إن تحط به تهلكه، فليتفكر في عقوبات الله تعالى عليها في الدنيا والآخرة، ولا يغرّن المذنب نِعَمُ الله عليه, فقد قال عليه الصلاة والسلام: ((إذا رأيت الله تعالى يعطي العبد من الدنيا ما يحب، وهو مقيم على معاصيه, فإنما ذلك منه استدراج)) ثم تلا قوله تعالى: فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلّ شَىْء حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُّبْلِسُونَ [الأنعام:44] رواه أحمد بإسناد حسن.
هذه بعض الأمور التي يستجلب بها الخوف من الله تعالى، وكل إنسان أعلم بنفسه من غيره من الناس؛ فإن كانت هذه الأمور موجودة فيه؛ فليحمد الله، وليسأل الله الثبات، وإن كانت مفقودة؛ فعليه أن يعمل على تحصيلها؛ فإن الأعمال بالخواتيم.
وصلى الله سلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين